حول الانتخابات المقبلة في تايوان

د. صياح فرحان عزام:

بمجرد الإعلان عن إجراء الانتخابات المركزية في تايوان يوم 12 كانون الثاني لعام 2024، لانتخاب رئيس ونائب رئيس جديدين للبلاد، اتجهت أنظار المراقبين إلى هذا البلد المنشق عن الوطن الأم (الصين) بتحريض ودعم أمريكي، لرصد المشهد السياسي هناك قبل إجراء الانتخابات المذكورة، والتي ستؤثر في الجغرافيا السياسية العالمية لسنوات قادمة، إذ إن تايوان – كما هو معروف- بلد معزول سياسياً ودولياً، ولا شك في أن نتائج هذه الانتخابات ستحدد مصير تايوان التي هي جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، خاصة أن بكين مصرة على استعادتها سلماً أم حرباً، وقد أصبحت بؤرة توتر قوية في العلاقات الأمريكية الصينية، ومصدراً لقلق العالم، لاسيما أن واشنطن تدعمها سياسياً وعسكرياً وإعلامياً، بهدف إضعاف الصين ودفعها إلى التخلي عنها، بحيث تكون قاعدة أمريكية متقدمة على الجبهة مع بكين وغيرها.

وما أغرى المراقبين أكثر لمتابعة المشهد التايواني، هو أن انتخابات رئاسة البلديات والمقاطعات التي جرت خلال الشهر الجاري أسفرت عن فوز حزب الكومينتانغ المعارض بحصوله على ثلاثة عشر مقعداً من أصل 21 جرى التنافس عليها، وبضمنها مقعد العاصمة تاييبه.

وقد أدت هذه الهزيمة للحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم إلى استقالة رئيسة البلاد تساي إينغ وينغ، من منصبها كرئيسة منذ عام 2016، ومن زعامة الحزب، معترفة بفشل مخططاتها لتصوير الانتخابات المحلية كورقة تخويل وتفوض شعبي لها، للمضي قدماً في سياساتها المناوئة للصين والموالية للولايات المتحدة الأمريكية.

والمعروف أن حزب الكومينتانغ الذي أعلن الانفصال عن الصين بقيادة الماريشال تشيانغ كاي شيك عام 1949 وأقام دولة منفصلة عن بكين وأدارها على مدى عقود من الزمن، اتجه الآن باتجاه دعم علاقة وثيقة مع الصين، والجدير بالذكر أيضاً أن حزب الكومينتانغ تراجعت حظوظه في العودة إلى الحكم مجدداً منذ خسارته انتخابات عام 2020 الرئاسية، بل وفشل في أربعة استفتاءات أجراها لإظهار عدم ثقة التايوانيين في الحزب الحاكم، لكنه يحاول هذه الأيام أن يفوز في انتخابات العام المقبل (2024) عبر عقد تحالفات مع الحزب المعارض الآخر وهو حزب الشعب التايواني برئاسة كووين جي.

وعلى الرغم من أن الحزبين المعارضين الرئيسيين اتفقا على توحيد جهودهما لإخراج الحزب الحاكم حالياً من السلطة، عبر تنظيم حملات انتخابية دعائية مشتركة، بدعوى أن بقاء الحزب الحاكم الآن في السلطة سوف يزيد من مخاطر نشوب حرب مع الصين، وأن فوزهما هو وحده الذي سيضمن السلام في مضيق تايوان، إلا أن اختلافهما في بعض المسائل قد يؤدي إلى انهيار تحالفهما، ومن هذه المسائل الاختلاف حول تحديد مرشحهما لخوض السباق الرئاسي القادم أمام مرشح الحزب الحاكم وهو نائب الرئيس لاي تشين ني.

في الأثناء واصلت الصين إجراء مناوراتها العسكرية المعتادة في مضيق تايوان، رداً على الاستفزازات الأمريكية، ومن باب الضغط على المشهد السياسي وترجيح كفة دعاة السلام والتعاون معها، ضد دعاة الانفصال من عملاء واشنطن والغرب، وفي الوقت نفسه، لم تُخْفِ بكين تشجيعها ودعمها لحزبي المعارضة الرئيسيين في تايوان على التحالف والاتفاق على مرشح واحد.

وما من شك في أنه في حال تزايد الخلافات في معسكر المعارضة واحتدام الجدل حول الشخصية الأجدر بخوض معركة الرئاسة القادمة، فإن من شأن ذلك كله أن يبقي الحزب الحاكم حالياً في السلطة، مع العلم بأن الحزب الحاكم لم يحدد مرشحه للرئاسة بعد، لكنه اختار ممثلة تايوان في الأمم المتحدة هسياو بي كيم كمرشحة لنائبة الرئيس، وهي من أب تايواني وأم أمريكية، وتشتهر بمواقفها المعادية لبكين والساعية للانفصال التايواني التام عن الصين، وهي بهذه المواقف تخون وطنها الأصلي، وهناك خشية حقيقية من أن وصولها إلى مراكز القرار الأعلى سيدفع إلى التطرف والانفصال، الأمر الذي قد يدفع بكين إلى استعادة تايوان بالقوة.

العدد 1104 - 24/4/2024