(طوفان الأقصى) ليست البداية.. ولن تكون النهاية

كتب رئيس التحرير:

منذ ما قبل النكبة عام 1948، روى دم الفلسطينيين وأشقائهم العرب ترابَ فلسطين.. ولم يستسلم الشعب الفلسطيني يوماً لأوهام القوة والضعف، ولا لواقع الكيان الصهيوني المدجّج بالسلاح والدعم الأمريكي.. ولا لخيام اللجوء في الشتات، والانتظار على أبواب المؤسسات الخيرية، بل تحوّل الذين اغتُصبت ديارُهم وحقوقهم إلى خنجر في خصر الكيان المحتل، وهاجس يقضّ مضاجعه ليل نهار.

لن نسترسل طويلاً في التذكير بعمليات المقاومة الفلسطينية الباسلة خلال العقود الماضية، لكننا نؤكد هنا أن عملية (طوفان الأقصى) ليست بداية الردع الفلسطيني لأوهام الاستسلام، ولن تكون النهاية، مهما أسفرت عنه مجازر الصهاينة التي يرتكبونها في اجتياح غزة، ومهما آلت إليه تسوياتٌ تسعى إليها الإدارة الأمريكية وأصدقاؤها في المنطقة تحت شعارات إنسانية.

المسألة هنا تتجاوز الاحتلال الصهيوني، والحقّ الفلسطيني المشروع، فقد وضع المخطّطُ الأمريكي- الصهيوني الشعوبَ العربية أمام استحقاقٍ مصيريّ، هو مقاومة الاستباحة الصهيونية للمنطقة العربية بأسرها، بادئةً بمحاولة إفناء مفهوم المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، والقضاء على جدلية الأرض والشعب، حتى إذا تطلّب الأمر ترحيل الفلسطينيين إلى الصحارى، والتفرّغ بعد ذلك، بدعم من قلعة الاستعمار الحديث ومُشعل الحروب وناهب الثروات الأمريكي، للهيمنة النهائية على منطقة كانت السيطرةُ عليها تشكّل، منذ خمسينيات القرن الماضي، همّاً دائماً لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

الإدارة الأمريكية تستميت اليوم لإبقاء سيادتها على السياسة والاقتصاد العالميين، في ظل ترنّح هذه السيادة، بعد نزوع دول العالم إلى فضاء عالمي آمن ومستقر وخالٍ من الحروب والتدخل العسكري والعقوبات والحصار وفرض الإرادة، فضاء عالميّ متعدّد الأقطاب يراعي مصالح شعوب العالم المستقلّة وحقوقها، لذلك نشهد اليوم في الأرض المحتلة بداية المشهد بإدارة أمريكية وتنفيذ صهيوني، أما المشاهد الأخرى في جعبة المخرجين لهذا المخطط، فستظهر مع تغلغل الكيان الصهيوني سياسياً واقتصادياً في عمق الأنظمة العربية، بمساعدة (المطبّعين) ورفرفة علم الكيان على السواري في عددٍ غير قليل من الشوارع والعواصم والمدن العربية.

المنطقة العربية، بثرواتها وموقعها، تشكّل سنداً رئيسياً لاستدامة وحدانية القطب الأمريكي وتفرّده في إدارة العالم وفق مصالحه، وهذا ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية اليوم، بالمشاركة مع حلفائها، ومحاولةُ تحييد المقاومة الفلسطينية كانت الخطوة الأولى، لكن هذه الخطوة اصطدمت وما زالت تصطدم ببسالة المقاومين الفلسطينيين، الذين تشبّثوا بأرضهم وسلاحهم وحقوقهم، وواجهوا وما زالوا يواجهون قوّةً كانت، في عُرف الكثيرين، لا تُقهَر.

بغياب المقاومة العربية للمخطط الأمريكي – الصهيوني، النهاية مرعبة.

عملية (طوفان الأقصى) ليست بداية المقاومة، ولن تكون النهاية، لكنها جرس إنذار استباقي للجميع بأن المقاومة اليوم ليست في فلسطين وحدها.. وليست مواجهة الكيان الصهيوني وحده، بل مواجهة مخطّط يسعى إلى تركيع المنطقة بأسرها.

دون مقاومة هذا المخطط.. النهاية مرعبة.

العدد 1104 - 24/4/2024