دمشق.. مدينة الياسمين تختنق بالمازوت!

فادي إلياس نصار:

يحد الانقلاب الحراري الليلي من انتشار الملوثات عمودياً خلال ساعات الصباح، ويمنع تبدّدها، فتظهر نتيجةً لذلك غيمة كبيرة من الدخان في سماء مدينة دمشق، قبل سطوع الشمس بقليل، وما تلك الغيمة إلا نتيجةً لتراكم الملوثات في أجواء المدينة، كعنوانٍ لمكتوب يقول: المدينة تختنق.

 

توسّع عمراني عدوّ للبيئة!

ربما تعطي تلك الغيمة التي تكلّل دمشق، عن بعد، مشهداً رائعاً، يهواه عشاق التصوير الضوئي، إلا أن الحقيقة مرّة جداً، ذلك لأن العلم يقول إنه ووفق المقاييس العالمية، يجب أن لا تقل المساحة المشجرة عن 40% من مساحة كل مدينة، في حين تقدّر المساحات الإجمالية للحدائق في دمشق اليوم تقريباً بـ 7% فقط من المساحة العامة للمدينة، فقد توسعت المدينة عمرانياً، بشكل رهيب خلال العقود القليلة الفائتة، إلا أن أحداً لم يدرس الخطورة التي ستنتج عن اختلال التوازن بين توزع المساحات الخضراء والمساحات البيتونية، فالتوسع يعني أيضاً ازدياد عدد السكان، وبالتالي تزيد كميات الوقود المستهلك، سواء في وسائل النقل، أو التدفئة المنزلية، ويزداد عدد المنشآت الصناعية، التي تعد المنتج الرئيسي لملوثات الهواء، كأول أوكسيد الكربون CO، وثاني أوكسيد الكبريت SO2، وأكاسيد النتروجين NO، وغيرها(خاصة في ظل الانفلات الكبير الناتج عن الحرب) .

إضافة إلى أن هذا التوسع العمراني المخيف، والذي يكاد يأكل كل أخضر في محيط العاصمة، متسلقاً بوقاحة جبل قاسيون (عش الورور نموذجاً)، سينتج حتماً كميات هائلة من النفايات المنزلية والصناعية، الصلبة والسائلة، في وقت لا وجود فيه لما يسمى مكبات للنفايات، ذات معايير ومواصفات صديقة للبيئة، وستطرح التجمعات السكنية العشوائية، مئات آلاف الأمتار المكعبة من المياه المالحة، ولا توجد شبكة نظامية للصرف الصحي، ولا أحد يضبط السلامة البيئية.

 

الوضع كارثيّ!

لا هواء نقيّاً في دمشق، والتوسع العمراني منفلت بجنون وغير مدروس، وهذا غالباً ما تكون تأثيراته كارثية على البيئة، وهناك أيضاً توسع في أسطول النقل العام، فهناك آلاف من السيارات، التي لا تراعي الشروط البيئية في صناعتها. وليس أسطول النقل الجماعي بقطاعيه العام والخاص، الذي يعمل على المازوت، أقل ضرراً، فهو بعيد كل البعد عن المعايير الفنية. وإضافة إلى وسائل النقل، هناك ملوث أخطر ولكنه خفي الى حد ما، إ تنتشر في المدينة معامل لصهر الرصاص، الناتج عن البطاريات المستعملة، تؤدي الانبعاثات الصادرة عنها إلى أضرار صحية خطيرة. كما تلعب كلٌّ من المعامل التي تفرز أبخرة وغازات سامة، وحركة البناء النشيطة جداً، والأسلحة المستخدمة في الحرب الدائرة في البلاد، دوراً هاماً في اختناق البيئة في عاصمة الياسمين.

يرى خبراء البيئة: أنه نتيجة لوجود العديد من مصادر التلوث، في مدينة دمشق، حطمت المدينة المعايير التي وضعتها منظمة الصحة العالمية: (WOH) والتي تتعلق بالغبار، فالحدود المسموح بها لدى المنظمة هي 90 ميكروغراماً/م3، ولكن في ساحة باب توما، نجد أن هذا الرقم يرتفع الى نحو 400 ميكروغراماً/م3، أما غاز ثاني أكسيد الكبريت، المنبعث من وسائل النقل ومولدات الكهرباء التي تعمل على المازوت، ذو النوعية السيئة والمحتوي على الكبريت ( ثلث وسائط النقل في سورية تعمل على المازوت)، فمعايير منظمة الصحة العالمية تقول أن الحدود المسموح بها هي /50/ ميكرو غراماً/م3، في حين تصل في دمشق الى ما يقارب 95 ميكروغراماً/م3.

‏إن البحث في موضوع التلوث البيئي في دمشق أمرٌ ملحٌّ، بل هو واجب على كل الجهات الحكومية، وهنا نتساءل عن الهدف من إلغاء وزارة البيئة ودمجها مع وزارة الإدارة المحلية، فهل هذه الخطوة ستخدم البيئة، وتخفف من التلوث في مدينة الياسمين؟! وبالتالي هل تحمي صحة الناس في دمشق؟

الأسئلة المُلحّة كثيرة في هذا السياق، منها مثلاً: أية وزارة ستُعنى بإعادة الخضرة إلى أشجار الغوطة التي لم يبقَ منها سوى اسمها؟ ومن سيُعيد النقاء إلى مياه بردى، الذي جفت معظم آباره، ولوثت ينابيعَه نفايات الملاهي والمطاعم وصرفها الصحي، وسموم الدباغات ومعامل الرخام؟

بانتظار الأجوبة الشافية، كل الحب لعروس الياسمين المذبوح.

العدد 1105 - 01/5/2024