الصحة النفسية حق من حقوق الإنسان..  فمتى يتمتع به المواطن السوري؟!

رنيم سفر:

خلّفت الحرب أزماتٍ كبيرةً تجاوزت الآثار المادية والجسدية، فغزت الأرواح والعقول متخلّلة أعماقنا، فهي إحدى أكثر الأحداث القاسية التي قد يمر بها الإنسان، فكيف لشعب ولاسيما لشباب رأوا أن زهرة شبابهم ذبلت بين الرصاص والأزمات المتتالية ما بعد الحرب، فهل من الممكن أن تبقى صحتهم النفسية سويّة؟

أعلنت منظمة الصحة العالمية  اليوم العالمي للصحة النفسية  في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام، مؤكدة  أنها حق من حقوق الإنسان، ولكن لعل هذا الحق غير وارد كذلك لدى المواطن السوري المتعب نفسياً خاصة فئة الشباب، وكأن ما هو حق لغيرنا ليس حقاً لنا، أسباب ومواجهات مروعة واجهها الكثير، أدت إلى انهيار الوضع النفسي لكثيرين،  بسبب حرب خلّفت أزمات اقتصادية واجتماعية ومعيشية وتشتيتاً نفسياً ومستقبلاً يجهلون ماهيته، وتفكيراً دائماً بالسفر والهجرة هروباً من واقع أنهك أرواحهم، فأي فرصة للسفر خارج سورية هي نجاة لهم، وصولاً إلى وباء كورونا العالمي والزلزال الذي ضرب أرضنا، ومن الطبيعي بعد كل ذلك أن يصاب العديد من الشباب بتدهور صحتهم النفسية، وللأسف كل واحد منا  معرّض لاضطرابات نفسية مختلفة، ومن الضروري الاهتمام والرؤية الحقيقية لهذه المشكلة. نعلم أن الشباب أبناء بيئاتهم يتأثرون بالحالة الاجتماعية والاقتصادية والروحية الراهنة تأثراً كبيراً من صدمات نفسية وضغوط كبيرة، وحين نعود في الذاكرة للعام الماضي نتذكر ما قاله مدير مشفى ابن سينا للأمراض العقلية بدمشق الدكتور أيمن دعبول: (إن عدد الاختصاصيين النفسيين في سورية حالياً يبلغ 45 طبيباً فقط في كل البلد، ونحن نحتاج بحسب عدد السكان إلى نحو 10 آلاف طبيب نفسي بالحد الأدنى).

نجد أن الطب النفسي غير كافٍ لدينا، وحين بحثنا عن الأسباب وجدنا أن كثيرين يبتعدون عن دراسة الطب النفسي، والأطباء النفسيون الذين كانوا لدينا قد سافروا، ومن ناحية أخرى المريض النفسي ترافقه الوصمة المجتمعية التي تطلق على من يزور المعالج النفسي أو الطبيب النفسي، إضافة إلى ذلك فإن تكلفة زيارة الطبيب النفسي مرتفعة، فهي ما يقارب ٥٠ ألف ليرة سورية، وهذا بحد ذاته تحدٍّ لمن يفكر زيارته، فهو على الأغلب أصيب باضطراب نفسي نتيجة الظروف الاقتصادية، فأولويات حياته تنسيه أولويات صحته النفسية، ومع إهمال وعدم قدرة العديد على المعالجة فإن نسب الإصابة ستزيد، وفق ما أكده الدكتور خالد حميدي أن نسبة المصابين الاضطرابات النفسية في سورية نحو ٦٠٪، هذه النسبة تعتبر كبيرة ونحن لا نتعامل مع الموضوع على أنه  أزمة ومرض يحتاج إلى علاج،  والكتمان النفسي  الذي يتبعه العديد يؤدي إلى احتشاء بعضلة القلب، وهو ما كنا نسمعه مؤخراً شباب أصحاء ماتوا بشكل مفاجئ، كلّه بسبب الكبت النفسي أصيبوا بجلطة مفاجئة.

للأسف، نحن غير واعين لما نتعرض له، والأمر يحتاج إلى مساعدة ودعم وإمكانيات هائلة وتوفير العلاج المجاني والعناية، نحن بحاجة إلى الدعم النفسي المتكامل بما يشمله من توفير الاستشارة النفسية والعلاج للتعامل مع الصدمات والاضطرابات النفسية وتقديم الدعم الاجتماعي والمساعدة في بناء العلاقات الاجتماعية، فهي ما تخفف العبء وتوفير الفرص التعليمية والتدريبية للمساعدة في تحقيق جزء من أحلام بعضنا، وتعزيز الوعي العام حول صحة الشباب النفسية والسؤال الأهم: هل سيبقى واقع الطب النفسي هكذا؟

العدد 1105 - 01/5/2024