في الغابون.. الخاسر الأكبر: فرنسا

د. صياح فرحان عزام:

مؤخراً حذت الغابون حذو النيجر ولحقت بكل من بوركينا فاسو ومالي وغينيا، فأصبحت الدولة الإفريقية الخامسة التي انتفضت على الأجنبي خلال السنتين الماضيتين.

بدايةً، تجدر الإشارة إلى أن دولة الغابون، التي كانت مُستعمرة فرنسية، حصلت على استقلالها عام 1960 بعد استعمار دام خمسين عاماً، وهي تقع في وسط غرب القارة الإفريقية، وحكمها منذ استقلالها ثلاثة رؤساء فقط هم ليون مبا، الذي طبق نظاماً ديكتاتورياً، وسعى لضمان مصالح فرنسا، وبعد وفاته عام 1967 تولى السلطة الرئيس عمر بونغو حتى وفاته عام 2009، ثم نجله الرئيس الحالي علي يونغو الذي تولّى السلطة لفترتين، وحاول التجديد لفترة ثالثة عبر الانتخابات التي جرت يوم السبت 26/8/2023 في مواجهة المرشح المعارض وزير التعليم السابق ألمبرت أوندو أوسا. وكانت هذه الانتخابات بمثابة (القشّة التي قصمت ظهر البعير) كما يقال، إذ جرت من دون وجود مراقبين محليين أو دوليين، وقُطِعت خطوط الإنترنت، وفرض حظر التجول ليلاً في جميع أنحاء البلاد، ما ألقى ظلالاً من الشك حول شفافيتها، الأمر الذي دعا المعارضة إلى الحديث عن مخالفات وتزوير، وفور إعلان النتائج بفوز الرئيس بونغو بفترة رئاسية ثالثة وحصوله على 64.27% من الأصوات، مقابل حصول مرشح المعارضة على 30.77%، خرجت مجموعة من كبار الضباط لتعلن عبر التلفزيون الاستيلاء على السلطة وإنهاء النظام القائم، وإلغاء نتائج الانتخابات، لأنها افتقدت المصداقية، وأن نتائجها باطلة، وجرى إغلاق الحدود مع الجوار حتى إشعار آخر، وحلّ مؤسسات الدولة.

هذا الانقلاب يأتي في ظل صراع دولي على القارة الإفريقية، وفي ظل تحولات تشهدها للخروج من قبضة الدول الغربية واحتكاراتها، باتجاه التنويع في علاقاتها السياسية والاقتصادية، والتوجه شرقاً نحو روسيا والصين، والسبب أن الإرث الاستعماري لايزال يلقي بثقله على شعوب القارة التي أصبحت ترى أن الدول الاستعمارية الغربية، وإن خرجت من البلاد، كانت تنتج قبل خروجها وبعده زعامات حاكمة مرتبطة بها، ولا تلبي طموحات شعبها المشروعة، بل تحمي مصالحها ومصالح حُماتها، وبالتالي فإن تأييد هذه الشعوب للانقلابات العسكرية الأخيرة يأتي من منطلق التخلص من بقايا هذا الإرث الاستعماري البغيض.. والخاسر هنا هي فرنسا كما خسرت في انقلاب النيجر، وهي خسارة جيوسياسية واستراتيجية، لأن الرئيس السابق عمر بونغو كان يقول لمواطني الغابون: (وطن هو الغابون وصديق هو فرنسا)، التي لها شبكة واسعة من العلاقات السياسية والاقتصادية. تتمتع الغابون بثروة نفطية هائلة تقدر بـ545 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، و26 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ما جعلها ضمن أكبر خمسة منتجين للنفط في جنوب الصحراء، إضافة إلى المنغنير الذي تسيطر على معظمه شركة إيراميت الفرنسية.

لا شك في أن هذا الانقلاب ترك الدول الأوربية في حالة (حيرة) وارتباك، أو كما يقال في (حيص بيص)، ولاسيما فرنسا صاحبة المصالح الكبرى في هذه الدولة وغيرها من الدول الإفريقية، التي تحررت من الهيمنة الغربية على مقدرات شعوبها، وعلى سبيل المثال، قال مسؤول السياسة الخارجية الأوربية جوزيف بوريل: (إن ما يحدث في إفريقيا مشكلة كبيرة لأوربا)، في حين صرحت رئيسة الحكومة الفرنسية قائلة: (إن باريس تتابع الوضع في الغابون عن كثب)، وهذا ما يعكس قلقاً أوربياً كبيراً مما يحصل في إفريقيا.

العدد 1104 - 24/4/2024