راتبي بعد ثلاثة عقود ونيّف لا يشتري حذاء

السويداء – معين حمد العماطوري:

قد يشعر القارئ للوهلة الأولى بعدم انسجام العنوان مع أدبيات الحياة الاجتماعية والثقافية، أو أنه غير مناسب لمكانة الصحافة وأسلوبها، وهي المهتمة بالفكر والتدوين الرقمي في جعلها تتناول عنواناً كهذا.

ولكن لربط الواقع بالفعل، بعد قرارات الحكومة الأخيرة برفع أسعار حوامل الطاقة وأهمها المحروقات والكهرباء والمياه غير المتوفرة، إضافة إلى ارتفاع أسعار غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية ومستلزمات الحياة اليومية، مقابل زيادة على الراتب لا تكفي يوماً واحداً من العيش بعد خدمة ثلاثة عقود ونصف، والأهم لإثبات ارتباط الواقع بالعنوان.

زميل لي لم يشترِ حذاء منذ عقد من الزمن، ونتيجة للحاجة كان لابد له من شراء حذاء بعد ان أخذت الحياة من حذائه القديم زهوته ورونقه، وبات يضج من الأرض التي فعلت فيه ما لم تفعله الأيام وأتعبته بمنزلقاتها وحفرها، والطرق الخشنة من أعمال ارتجالية لأناس لا يعرفون من القانون إلا الرشوة من خلالها ينفذون ما يرغبون.. حتى فرض على زميلنا التخلي عنه عنوة لشراء غيره.. رغم ما عاش معه من قسوة التملق والنفاق الاجتماعي كي يبقى في هندام يليق بعمله الفكري والثقافي والاجتماعي.

ذهب صاحبنا لشراء الحذاء بعد استلام راتبه البالغ ٢٠٠ ألف ل. س حاسباً لنفسه أنه سيكون فائضاً عن قيمته الشرائية خاصة، وأنه حصل على المبلغ بعد الزيادة الأخيرة.

المفاجأة أنه حين دخل المحل المطلوب وهو شعبي وليس من النوع الفاخر طبعاً، أو من الطبقة المخملية، وطلب شراء حذاء قالوا له: ثمنه ٢٠٠ ألف ليرة سورية.. وراتبه هو كذلك، فما هو رأيكم، دام فضلكم؟!

هل راتب الموظف اليوم يشتري له حذاء؟

لم يقل كندرة لزوجته لأن ثمن الكندرة النسائية أكثر من ذلك.

يعني من أراد أن يشتري أحذية لأسرة مؤلفة من أربعة أشخاص يحتاج إلى رواتب أربعة أشهر كاملة.

وعليه أن يتخلى لأربعة أشهر عن الطعام ودفع فواتير الهاتف الثابت والجوال والكهرباء وأجور المنزل والطبابة، فضلاً عن الأكل والشرب والكساء من الألبسة التقليدية المستعملة وغيرها.

هنا وبعد القرارات الليلية الجائرة الشارع في السويداء خرج عن صمته صارخاً من ضيقه معبّراً عن ألمه وآلام جميع السوريين.

والحقيقة أنه لم يكن هناك أعمال شغب او تخريب بل حرق الدواليب لشل حركة العمل اليومي في الدوائر الخدمية والاكتفاء بالاعتصام السلمي.. والأهم أنه بعد انتهاء الموعد المحدد قام ثلة من المعتصمين بتنظيف المكان وجعله نظيفاً دلالة على الوعي الانتمائي.. وليس ضعفاً بالشعور الوطني يقيناً أن الكلام لا ينفع مع حكومة الصم والبكم. وهم في كل ليلة يطالعوننا بقرارات رفع السعر بحجة الدعم.. وهم يسرقون وينشرون الفساد والإفساد دون حساب أو رقيب.. وحين تطالب الناس بحقها المشروع دستورياً يدخلونهم دائرة الخيانة والتخوين.

لعلنا اليوم بحاجة أكثر من ذي قبل إلى القرار الشجاع والحكمة في اتخاذ الخطوات التي من شأنها إنقاذ الوطن مما هو فيه من جروح دامية وتحقيق الإصلاح الاقتصادي بنوعيه الخدمي والإداري ومحاسبة الفاسدين علناً.. احتراماً للهوية الوطنية السورية.. وإعادة أسعار المحروقات وحوامل الطاقة إلى ما كانت عليه، بعد أن أثّر القرار المشؤوم سلباً على الحياة المعيشية اليومية للمواطنين.

القرار الجريء المطلوب يحتاج إلى دراسة علمية وافية واثقة وطنية بامتياز من خبراء اقتصاد عارفين الأبعاد الاجتماعية والإنسانية التي وصلت إليها البلاد، ويتم وضع استراتيجية ترى النور ومنعكسات تطبيقها خلال فترة زمنية قصيرة جداً بتحسين السوق والقوة الشرائية وتعديل الأجور ليتناسب مع الدخل.. بعد إلغاء القرارات الليلية السابقة طبعا.. لأن دراسة تحسين وضع المواطن يحتاج لسنوات مع الحكومة بينما رفع أي سلعة لا تحتاج إلا لساعة واحدة فقط هي زمن إعداد القرار.

إن لم يتحقق الإصلاح الاقتصادي والشعور به على أرض الواقع سيبقى الأمر على ما نحن عليه ومن سيّئ إلى الأسوأ.. وسورية ستكون بمستنقع لا يحمد عقباه، وهي أمانة بأعناق الشرفاء والوطنين الذين هم امتداد حقيقي لما حققه لنا الأهل والأجداد من رفعة الموقف والتاريخ المشرف ماضياً وحاضراً.. وعلينا أن نحترم دماء من ضحى لأجلنا لنحيا.

أخيراً، إذا لم نستطع أن نعيش براتبنا حدّاً أدنى من العيش الكريم، سيبقى حلم الموظف شراء حذاء براتبه، ولا يتناسب دخله مع متطلبات حياته.. عندئذٍ لا لوم عليه إذا قال: إن راتبه يساوي … !

العدد 1104 - 24/4/2024