واقع الأدوية السورية بين سندان الصحة ومطرقة صنّاعها

سليمان أمين:

شهد قطاع الأدوية في سورية خلال الفترة الماضية تراجعاً كبيراً وانقطاع الكثير من الزمر الدوائية الهامة وبدائلها، والسبب الرئيسي هو التخبطات الكبيرة بسعر الصرف ورفع (المركزي) لسعر نشرة صرف المستوردات وغيره  من الأسباب الأخرى الذي عملت على إيقاف وحدات التصنيع في معامل الأدوية من قبل مالكيها، مطالبين برفع نشرة الأدوية بمعدل 130%، الذي لاقى رفضاً من قبل وزارة الصحة التي أصدرت قرارها بعد انقطاع شبه كامل لكثير من زمر العقاقير الطبية بمعدل 50%، الذي لم يُرض أصحاب معامل الأدوية، فعادت بعض الأصناف إلى الصيدليات بعد فك احتكارها ومازال حتى اليوم الكثير من الأدوية مقطوعة، مثل أدوية القلب والضغط (ترونترال، دوبجيت، نفيدين ..الخ ) وأدوية الباركنسون والأعصاب (دوبال) وأدوية القولون العصبي (داماتيل، الفيتكون) إضافة إلى أبر الالتهاب (فورتاسيف) التي تعتبر مهمة وخصوصاً في المشافي وأدوية الكلى (ايبوسينور) وقصور الغدة (ألتروكسين) وغيرها من الأدوية الأخرى، وفق ما رصدته صحيفة (النور) في استطلاع أجرته بالصيدليات في عدة محافظات.

واقع الأدوية

واقع الأدوية السورية متأثر بالظروف الاقتصادية والسياسية التي يشهدها البلد منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، فقد تأثرت صناعة الأدوية في سورية بشكل كبير بسبب القصف والتدمير الذي تعرضت له المنشآت الصناعية، ونقل العديد من المصانع إلى مناطق أخرى خارج سورية.

كما أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية من قبل الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى، أثرت بشكل كبير على إمكانية استيراد المواد الخام اللازمة لإنتاج الأدوية، وتعطلت سلسلة الإمداد وضعفت القدرة على تلبية احتياجات السوق المحلية.

علاوة على ذلك، تعاني صناعة الأدوية في سورية من نقص الاستثمارات، وانخفاض قدرة الدولة على توفير التمويل اللازم للشركات الصناعية. وتزداد صعوبة تلبية احتياجات السوق بفعل تراجع القوة الشرائية للمواطنين وزيادة تكاليف الإنتاج.

هذا الوضع أثّر سلباً على توافر الأدوية في الأسواق السورية، إذ يعاني المرضى من صعوبة في الحصول على الأدوية الضرورية، وارتفعت أسعار الأدوية بشكل كبير. كما أن هناك شحّاً في الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة والسرطان والأمراض النفسية.

إن رفع أسعار الأدوية في سورية وانقطاع بعض الزمر الأدوية هو جزء من واقع الأدوية في البلاد، هذا الارتفاع في الأسعار أدى إلى ارتفاع تكلفة العلاج للمرضى، وصعوبة الوصول إلى العديد من الأدوية المهمة لعلاج الأمراض. بعض الزمر الأدوية أصبحت غير متوفرة تماماً في الأسواق السورية بسبب صعوبات في استيرادها أو توزيعها.

يعتمد رفع أسعار الأدوية أيضاً على عوامل أخرى مثل العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية والتضخم العالي وتدهور قيمة العملة. هذه العوامل تزيد من تحديات توفر الأدوية وجعلها أكثر صعوبة بالنسبة للمرضى. وبسبب هذه الظروف، لجأ البعض إلى البحث عن بدائل في العلاج أو استخدام أدوية بديلة غير مرخصة، مما يزيد من مخاطر الصحة. وقد أشارت بعض التقارير إلى زيادة في حالات الوفاة وتدهور الحالة الصحية للمرضى نتيجة لعدم توفر الأدوية اللازمة.

مقترحات لمواجهة التحديات

إن واقع الأدوية السورية يعاني من العديد من التحديات والصعوبات التي تؤثر سلباً على توفر الأدوية وجودتها في السوق السورية، والمطلوب:

  1. تحسين البنية التحتية الطبية من خلال توفير تجهيزات ومعدات طبية حديثة ومتطورة وتطوير المستشفيات والمراكز الصحية في جميع أنحاء البلاد.
  2. تعزيز إجراءات التحكم في الجودة من خلال تطوير وتنفيذ سياسات وإجراءات فعالة للرقابة والفحص والاختبار على الأدوية المتداولة في السوق السورية، لضمان سلامتها وجودتها.
  3. تشجيع البحث العلمي والتطوير التكنولوجي من خلال توفير الدعم والتمويل للمختبرات البحثية والمراكز الأكاديمية والتعاون مع الشركات الدولية لتطوير وإنتاج أدوية جديدة وفعالة.
  4. تطوير قوانين وتشريعات صحية فعالة من خلال وضع وتنفيذ سياسات وقوانين صحية تنظم صناعة وتوزيع وبيع الأدوية، وتحمي حقوق المرضى وتضمن سهولة الوصول إلى الأدوية الضرورية.
  5. توعية الجمهور وتثقيفه من خلال مشاريع توعوية وتثقيفية تهدف إلى زيادة الوعي بأهمية استخدام الأدوية بشكل صحيح وفقًا للتعليمات الطبية، وتوفير المعلومات حول الأدوية المتوفرة وآثارها الجانبية وطرق الحماية والوقاية.
  6. تطوير نظام مراقبة وإبلاغ عن الأعراض الجانبية من خلال إنشاء نظام فعال يسمح للمرضى والموردين والأطباء بالإبلاغ عن أي أعراض جانبية للأدوية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجتها وتجنب حدوثها مستقبلاً.
  7. توفير الدعم والمساعدة المالية من خلال تطوير برامج وسياسات تساعد الأشخاص ذوي الدخل المحدود على الحصول على الأدوية بأسعار معقولة أو مجاناً، وتوفير المساعدة المالية للمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة ويحتاجون إلى استخدام الأدوية لفترات طويلة.
  8. تنظيم سوق الأدوية من خلال تنظيم نظام الشراء والتوزيع وتجارة الأدوية، وتحقيق المزيد من الشفافية والمسؤولية في هذا القطاع، للحد من التلاعب والاحتكار وتوفير الأدوية بأسعار معقولة.

ختاماً

 يمثل رفع أسعار الأدوية وانقطاع الزمر الأدوية، في ظلّ تردّي الوضع المعيشي لأكثر من 90% من السوريين، تحدّياً كبيراً في الرعاية الصحية في سورية، ويتطلب جهوداً حكومية ودولية لتحسين الوضع وتوفير الأدوية الضرورية للمرضى.

العدد 1105 - 01/5/2024