من أنواع الانقراض

د. أحمد ديركي:

تواجه الكرة الأرضية تهديدات كارثية قد تؤدي، وفقاً لمعظم القراءات، إلى فناء الكرة الأرضية. بالتأكيد لم تأتِ كل الكوارث المحتملة، والأصح معظمها، من الأمور المتعلقة بالنظام الطبيعي للأرض والكون برمته. فللطبيعة نظامها المُحدد لآلية عملها. فعلى سبيل المثال هناك الكوارث الطبيعية، من الزلازل إلى البراكين إلى الأعاصير… إضافة إلى الفيروسات والميكروبات والأمراض التي تسببها للكائنات الحية. فكل هذه الأمور تتعلق بالشأن الطبيعي للنظام في الطبيعة. وقد يكون العصر الجليدي الأول وما تلاه من عصور جليد مرت على كوكب الأرض دليلاً على آلية عمل النظام الطبيعي، وما خلفه هذا العصر الجليدي أو ذاك من انقراض لأجناس حية، وظهور أجناس أخرى. إضافة إلى احتمالية حدوث كوارث لا علاقة لها بالنظام الطبيعي للأرض، ومنها ما قد يأتي من خارج كوكب الأرض كاصطدامات النيازك والشهب بكوكب الأرض، وما قد يخلفه هذه الاصطدام من تغيرات على كوكب الأرض إن نجا منه. ومنها على سبيل المثال النظرية التي تقول إن الديناصورات انقرضت بسبب اصطدام نيزك بالأرض وتسبب بتغيرات مناخية على كافة الكوكب. هذه التغيرات أدت إلى انقراض الديناصورات لعدم قدرتها على التأقلم مع التغيرات التي نجمت عن الإصطدام.

لكن الأخطر على كوكب الأرض هو وجود الجنس البشري عليها!

جنس، أيضاً وفقاً لكل الدراسات، يعمل على تهديد الأرض ومن عليها، حتى جنسه هو. فالإنسان تسبب بانقراض العديد من الكائنات الحية. فنحن نسمع، تقريباً، بأن هناك جنساً من الكائنات الحية مهدد بالانقراض. على سبيل المثال وحيد القرن، حيوان على حافة الانقراض، وقد انقرض وحيد القرن الأبيض. طبعاً هناك العديد من الكائنات الحية الأخرى المهددة بالانقراض.

لكن مهلاً، هل الإنسان هو من يهدد الأرض ومن عليها، أم هناك طبقة معينة، من طبقات الجنس البشري، تهدد الأرض والجنس البشري؟

عندما مارس البشر الصيد كان الإنسان يصطاد ليأكل. وهذا أمر طبيعي ولم يخلّ بالتوازن في النظام البيئي، فكل الكائنات الحية بحاجة إلى الغذاء وإلا انقرضت. لكن عندما بدأ الإنسان باحتكار الغذاء، بدأت الكارثة. وهنا الاحتكار بمعنى بدايات تشكل الملكية الخاصة.

كي لا نغوص كثيراً في التاريخ لتتبع هذا المسار لنأخذ واقع اليوم.

مع تطور نمط الإنتاج الرأسمالي انقسم البشر إلى قسمين رئيسيين: قسم يملك وسائل الإنتاج، وقسم لا يملك وسائل الإنتاج، أي برجوازي وبروليتاري. فماذا يحدث؟

البرجوازي قد يكون من هواة جمع رأس وحيد القرن، أو الزرافة أو… يمكنه دفع البروليتاري الباحث عن لقمة عيشه إلى اصطياد هذا الحيوان. فالبرجوازي يدفع المال والبروليتاري يصطاد. البرجوازي يدفع تلبية لهواية لديه والبروليتاري يصطاد ليؤمن ثمن طعامه. ومع ما يخلقه البرجوازي من تشويه للوعي ينظر إلى من اصطاد وحيد القرن وكأنه ذاك المجرم المدمر للنظام البيئي والمسبب بانقراض هذا الكائن الحي أو ذاك. فمن يتابع الأفلام الوثائقية يلحظ أن (المشتري) – أي البرجوازي – وكأنه تقريباً خارج الموضوع، ويتم التركيز على من يصطاد. وهنا يمكن أن يطرح السؤال التالي: إن فُقد المشتري، فهل من يتصيد، هذا الحيوان أو ذاك، سوف يبقى يقوم بالعمل نفسه عند عدم وجود من يشتري؟ وفقاً لقانون العرض والطلب، ما دام هذا (قانوناً) لن تستمر عملية الصيد. فمن خلال إيقاف المشتري يمكن أن توفر ملايين الدولارات لتستثمر في مجال مفيد للطبيعة. نعم ملايين الدولارات، إذا ما احتسبنا الأموال التي تنفق على (حراس الغابات) والأموال التي تنفقها (الجمعيات اللاحكومية) المهتمة بالحفاظ على الحيوانات.. فيكون المجموع ملايين، إن لم يكن مليارات الدولارات.

هذا على المستوى الأول، وثانياً عند الحديث عن التلوث البيئي تتهم الدول الفقيرة، وتحديداً الفقراء، بأنهم من أكثر ملوثي البيئة. لنأخذ مثلاً بسيطاً يتعلق باستهلاك الكهرباء. الفقير يعيش في بيت متواضع، إن لم يكن مشرداً، واستهلاكه للكهرباء ضئيل جداً. لنحتسب أنه يملك كل ما يستطيع من براد إلى غسالة إلى تلفاز إلى هاتف خلوي.. فيعمل على توفير الكهرباء، ليس حرصاً على عدم استهلاك الكهرباء، بل حرصاً على عدم ارتفاع فاتورة الكهرباء. أما البرجوازي فيملك كل هذه الأدوات إضافة إلى عدم الحرص على ثمن فاتورة الكهرباء! فالبرجوازي لا يملك تلفازاً واحداً بل كحد أدنى هناك تلفاز في غرف النوم وتلفاز في غرفة الجلوس.. كما أن منزل البرجوازي لا يتألف من غرفة أو غرفتين، بل من غرف وغرف. فمن يستهلك الكم الأكبر من الكهرباء هم البرجوازيون. واستهلاك الكهرباء يعني استهلاك المزيد من الطاقة، واستهلاك المزيد من الطاقة يعني المزيد من تلوث البيئة. مع عدم نسيان مسألة (السيارة التي تعمل على الكهرباء). كم من فقير يملك مثل هذا النوع من السيارات؟ وكم تستهلك هذه السيارات من كهرباء؟

هذه بعض أوجه التهديدات الكارثية المهددة لوجود الأرض والجنس البشري. فالمهدِّد الأول لوجود البشر ليس الإنسان بعامة، بل الطبقة البرجوازية بخاصة. فكفاكم لوماً للفقراء، والحديث عن الجنس البشري، بالتهديدات الكارثية. فلنحدد من يتسبب بهذه التهديدات ولنعمل على محاسبتهم من أجل إنقاذ الجنس البشري.

العدد 1104 - 24/4/2024