إهمال الخدمات في اللاذقية يتفاقم

سليمان أمين:

المدينة المنكوبة المهملة التي لم تلقَ بُناها التحتية والخدمية الاهتمام منذ سنوات طويلة، فحوّلها الإهمال إلى وضع يرثى له وضيّع قيمتها الجمالية والطبيعية، وهي التي كانت تعتبر من أهم المدن الساحلية في الوطن العربي والعالم، لم يرَها مسؤولو بلدنا سوى مدينة عادية لا قيمة لها أمام المنفعة والمصلحة الشخصية، ويجري تعليق الفشل المؤسساتي في إدارة ملف الخدمات بكل أنواعها في المدينة إلى وجود أشخاص فوق القانون لا يمكن السيطرة عليهم، وهذا ما تشهده المدينة منذ سنوات طويلة، على مبدأ (نفّذ ثمّ اعترض) فلمن يتم التنفيذ وعلى حساب مَن؟ هنا السؤال. فالمسؤول هنا يريد أن يحمي نفسه من البلطجية المتغلغلين في أروقة القرار بكل سلاسة، في زمن يحكم فيه المال ويسيطر على كل القوانين والقرارات وغيرها.

البسطات تحولت إلى كارثة والسبب غياب التنظيم والرقابة

تعاني مدينة اللاذقية من تراجع كبير في مستوى الخدمات بكل أشكالها، إضافة إلى انتشار ظواهر الفوضى واستملاك للأرصفة والشوارع داخل المدينة بانتشار البسطات بشكل كبير، ويقع معظمها ضمن محيط المحافظة، وهي لم تلقَ حتى اليوم أي معالجة حقيقية بل زاد الوضع سوءاً أكثر، وبات المواطنون لا يجدون رصيفاً يمشون عليه، إضافة إلى انتشار الأوساخ والمياه الآسنة والروائح، وسوف نذكر بعض المناطق الحيوية المهملة والعصيّة على المعالجة.

*شارع المغرب العربي في الرصيف الذي يقع بمحيط المقبرة بات مستملكاً من قبل بسطات استحوذت على ثلاثة أرباع الرصيف، ومن المعروف أن المنطقة حيوية وفيها ازدحام مروري وبات المواطنون يمشون بين السيارات، بينما مسؤولو المدينة يغضون بصرهم عن هذه المنطقة، فلمن تتبع هذه البسطات التي هي أعلى من قوانين تنظيم الأرصفة، وربما أصحابها أعلى من سلطة القوانين في المدينة.

*شارع أفاميا (الريجي سابقاً) الذي يقع بمحيط المحافظة الجديدة والذي تحول لسوق مكتظ بالبسطات وسيارات السوزوكي وتملؤه الأوساخ والروائح النتنة بسبب المخلفات التي يتركها أصحاب البسطات، وقد حاولت البلدية معالجته لكن بطريقة التمييز الواضحة للملأ، فهي تزيل بعض البسطات وتترك الأغلبية التابعين لأشخاص نافذين، وما يحدث في هذا الشارع منذ شهرين تقريباً من مطاردات ومصادرات لبعض البسطات يشبه لعبة القط والفأر، دون وجود قوانين صارمة لمعالجة هذه الظاهرة بشكل واقعي يضمن لأصحاب هذه البسطات العمل وكسب قوت يومهم بشكل منظم.

*الشيخ ضاهر، شارع القوتلي وساحة أوغاريت، حالها كحال المناطق التي ذكرناها تملؤها البسطات غير المنظمة والتي استحوذت على أرصفة المواطنين، ولكنها تعتبر أفضل بقليل مما يحدث في شارع الريجي وشارع المغرب العربي.

السبب الرئيسي الذي أدى لهذا الوضع المُزري داخل المدينة هو إلغاء سوق الخضار القديم الذي يقع بالقرب من المركز الثقافي، والذي كان يعتمد عليه مواطنو المدينة في شراء احتياجاتهم، كما كان يشغل الكثير من البسطات، والخيار الأسوأ كان وضع السوق خارج المدينة في منطقة غير حيوية مثل قنينص، فالمواطنون يحتاجون إلى سوق خضار وربما إلى سوقين داخل المدينة وليس خارجها، إضافة لتوفير أماكن لأصحاب البسطات بطرق منظمة أكثر.

طرطوس لا تعاني من هذه المشكلة وتمتلك أسواقاً منظمة داخل المدينة وليس خارجها؟؟ فلماذا اللاذقية تحلق خارج السرب بفضل قرارات مسؤولين يلزمون مكاتبهم دون أن يخرجوا ويعاينوا الواقع ويعالجوه بطرق سلسة ومنظمة تحفظ كرامة المواطنين وتساهم في خلق فرص عمل للفقراء، فهناك الكثير من المناطق الميتة في المدينة يمكن استثمارها كأسواق للبسطات وللمهن التقليدية وغيرها وتعمل على تنظيم المدينة وتساهم في نظافتها وجماليتها.

لا كهرباء.. لا ماء   

تعاني اللاذقية من انعدام شبه تام للتيار الكهربائي، ولا يحصل المواطنون في أحسن أحوال التغذية الكهربائية على 4 ساعات تغذية يومياً، وهذا أدى إلى انعدام الإضاءة العامة ببعض المناطق التي لم يتم العمل على تخديمها بعد بالطاقة الشمسية وهذا يؤثر على الأمان العام فيها.

كما تواجه المدينة أيضاً مشكلات كبيرة في مياه الشرب، ويعاني السكان من نقص في الإمداد بالمياه النظيفة والصالحة للشرب، وخصوصاً في المناطق السياحية، وهذا أدى إلى انتشار ظاهرة بيع المياه بالصهاريج غير معروفة المصدر وما إن كانت ملوثة وغير صالحة للاستخدام البشري، مع غياب الرقابة على هذا الموضوع.

كما تعاني اللاذقية بالفترة الأخيرة من تراكم الأوساخ في كل الضواحي والشواطئ، إضافة إلى انتشار زمور الضابطة و(الفيميه) بشكل كبير جداً دون أي روادع قانونية لهذه الظواهر، وسوف نتحدث عنها بشكل منفصل في القادم.

وهناك شوارع تحولت في المنطقة السياحية (الشاطئ) إلى أحراش بين الأبنية بسبب الإهمال لها وعدم العناية بها فهل يعلم بها مجلس المدينة؟

بشكل عام، يمكن القول إن الإهمال الخدمي في اللاذقية تسبب في تراجع الحياة العامة في المدينة، وترك أثراً سلبياً على السكان والسياح على حد سواء. رغم محاولات خجولة من قبل المحافظة لتحسين الوضع وتوفير الخدمات الأساسية للمدينة وسكانها، ولكن ما تحتاجه اللاذقية هو الرقابة من قبل المحافظة وكل المؤسسات الخدمية والمعنية بجولات مستمرة على الكثير من المناطق.

فالمطلوب اليوم أيضاً حث المجتمع المحلي في اللاذقية على العمل لتحسين الوضع الخدمي في المدينة كما كان سابقاً من خلال اتخاذ عدة خطوات، منها:

1- تنظيم حملات تطوعية لتنظيف الشوارع والشواطئ والمناطق العامة؛ وذلك لتحسين مظهر المدينة وجعلها أكثر جاذبية للسياح.

2- تشجيع المبادرات الشخصية والإفرادية لتحسين الوضع، وذلك من خلال دعم المبادرات المجتمعية التي تتناول المشاكل المحلية وتسعى لإيجاد حلول لها.

3- توفير الدعم المادي واللوجستي للمشاريع الخدمية التي تهدف إلى تحسين الوضع في المدينة، مثل مشاريع الإنارة العامة وتوفير المياه وتحسين وسائل النقل العام، ومحاربة ظواهر (الفيميه) وزمور الضابطة.

4- تعزيز التوعية والتثقيف بين المجتمع المحلي حول أهمية الحفاظ على البيئة والحفاظ على المرافق العامة والخدمات الأساسية، وذلك من خلال الحملات الإعلامية والتوعوية والندوات وورش العمل.

5- العمل على تعزيز التعاون بين المجتمع المحلي ودوائر الخدمات في المحافظة والجهات الخاصة لتحسين الوضع الخدمي في المدينة، والتي يمكن أن تشمل توفير المعدات والآليات والمواد اللازمة للتطوير البنيوي والخدمي في المدينة.

تعد هذه الخطوات مهمة لتحسين الوضع الخدمي في اللاذقية، ومن المهم أن يأخذ المجتمع المحلي دوره الفاعل إلى جانب المؤسسات الحكومية المحلية في العمل بشكل مستمر لتحقيق التحسين المستمر في الخدمات والبنية التحتية للمدينة.

العدد 1105 - 01/5/2024