مَن يدعم من: الحكومة أم المواطن؟

علي شوكت:

كثرت في الآونة الأخيرة تكهنات وإشاعات حول زيادة الأجور والرواتب، وأن الحكومة تدرس هذا الموضوع بشكل جدي وهي تبحث وتحاول تأمين الموارد التي تغطي هذه الزيادة. وهنا تبرز إحدى الأفكار التي لطالما روجت لها بعض الجهات الحكومية السابقة والحالية ألا وهي رفع الدعم بشكل كامل وتغطية موازنة زيادة كتلة الرواتب.

إن سعي بعض جهابذة مسؤولي الحكومة لطرح فكرة إلغاء الدعم دون دراسة مستفيضة عما ستلحقه من أضرار نفسية ومالية واقتصادية بالواقع الاقتصادي والمعيشي لدى غالبية المواطنين، وهي حكماً ستؤدّي إلى تدني سعر صرف الليرة أمام العملات الاخرى وستنذر بكارثة حقيقية ستعجز الحكومات المستقبلية عن تجاوزها والحد من تداعياتها اقتصادياً ومعيشياً وربما سياسياً.

وفقاً للمكتب المركزي للإحصاء، فقد بلغ معدل التضخم بين أعوام 2011 -2023 (3852.29‎%‎)، أي تضاعفت الأسعار ما يقارب 40 ضعفاً، أما تقديرات وزارة المالية (الناطقة باسم الحكومة) في بيانها المالي فإن معدلات التضخم لعامي 2022 و2023 تُقدّر بـ 100‎.7‎%‎ و104.7‎%‎ على التوالي. وبذلك يصبح معدل التضخم بين عامي 2023 و2011 (16137.32‎%‎)، أي ازدادت الأسعار بما يتجاوز 161 مرة بين العامين المذكورين.

وفيما إذا أخذنا بأرقام التضخم وارتفاع الأسعار يجب أن يرتفع الحد الأدنى للرواتب إلى نحو مليون ونصف المليون ليرة سورية. أي ما يعادل 160 $ وهو أقل بكثير عما كان عليه الحد الأدنى للرواتب ما قبل الازمة وكان قد تجاوز 400 $.

ونعود ونذكّر دائماً أن الحد الأدنى للفقر عالمياً للفرد نحو 2.15$ دولار يومياً والحد الادنى للجوع 1.5 دولار يومياً.

إن تعويم الأسعار للسلع بشكل عام وللمواد الغذائية بشكل خاص وتعويم سعر الصرف أدى إلى تآكل جميع الزيادات الماضية بصورة مريعة، فمع كل زيادة كانت عملياً تنخفض القيمة الشرائية حتى أصبحت معظم الأسر السورية وخاصة العاملين بأجر في القطاع الحكومي تعتاش على أقل من 50 سنتاً يومياً أي عملياً لا تكفي لشراء سندويشة فلافل.

في ظل هذه الأرقام الفلكية بين متطلبات المعيشة والوضع الحالي للرواتب ستكون هذه الحكومة وأي حكومة أخرى مقبلة عاجزة عجزاً تاماً عن اتخاذ أي قرار إيجابي لجهة زيادة الأجور والرواتب ولمصلحة المواطن بشكل عام.

وفي ظل هذا الواقع يكون العامل هو من يدعم الحكومة بقوة عمله وجهده ووقته وصبره بمئات أضعاف ما تعطيه الحكومة، وكأننا بشكل من الأشكال تحولنا إلى نظام السخرة.

إن الخروج من هذا الوضع لابد أن يكون مبنياً على دراسة معمقة واقعية ومفهوم أساسيات الاقتصاد السياسي وإعادة الميزان التجاري إلى التوازن، ومن ثم جعله يميل لمصلحة الصادرات على حساب الواردات. ولا يتحقق ذلك إلا باستثمار حقيقي مدروس بعناية لمتطلبات الإنتاج بشقيه الزراعي والصناعي والعودة بهما لحدود التعافي واستثمار مواردنا الطبيعية بالشكل الأمثل والسعي للبدء باستثمار الثروة النفطية المؤملة على الساحل السوري دون التفريط بها في ميادين السمسرة والفساد

والاستثمار بأهم الموارد لدينا على الإطلاق وهو المورد البشري الإنساني وتأمين كل شروط الحياة له من تعليم وصحة وعمل…الخ كي يبقى متجذّراً في البلد.

ومن هنا نعتقد أن بلدنا الذي يمتلك الكثير من الموارد الطبيعية والموارد البشرية والكفاءات العلمية والخبرات المختصة في جميع المجالات، قادر على مواءمة نفسه والعودة للانطلاق مجدداً بالنهوض الاقتصادي رغم الأزمة وظروف الحرب والحصار.

العدد 1105 - 01/5/2024