لغة أم لغتان؟

أحمد ديركي:

منذ فترة وجيزة بدأت أصوات تعلو للتحدث عن لغتين، وليس الحديث بلغتين، لأن الحديث بلغتين أمر مختلف. والأمر الجوهري هنا القول بوجود لغتة مختلفة عن اللغة الأم، وليس وجود لغات مختلفة.

فمن بديهيات القول أن شعوب العالم تتحدث بلغات مختلفة، مثلاً هناك من يستخدم اللغة العربية للتواصل والتعبير، وهنا من يستخدم اللغة الإسبانية للتواصل والتعبير، وهناك من يستخدم اللغة الفرنسية… وتعتبر هذه اللغات المختلفة اللغة الأم لكل شعب يستخدمها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لبناء مفهوم الأمة وبناء مفهوم الدولة.

بينما هناك من بدأ بطرح قضية اللغة المحكية على أنها لغة مختلفة عن اللغة الأم، مستخدماً مصطلح اللغة لوصف اللغة المحكية، وليس لهجة أو لكنة مشتقة من لغة أم. لتوضيح الفكرة: على سبيل المثال هناك أصوات تقول إن اللغة السورية لغة قائمة بذاتها لها قواعدها اللغوية والصوتية، وهي لغة منفصلة متصلة باللغة الأم، أي باللغة العربية. وكذلك هناك اللغة اللبنانية، واللغة الأردنية، واللغة العراقية.

فهذه اللغات المحكية، لم تعد لغات محكية بل لغات تحكمها قوانينها وقواعدها المختلفة عن بقية اللغات الأخرى (المشابهة) لها. فمثلاً اللغة اللبنانية وإن وُجد فيها بعض التشابهات مع اللغة السورية أو الأردنية أو العرافية إلا أنها لغة مختلفة عنهم. وهذه اللغات المحكية، القائمة ضمن الحدود السياسية لكل دولة، وإن كانت مشتقة من لغة عربية واحدة، القريشية تحديداً لأسباب سياسية – دينية، إلا أن اشتقاقها مع الوقت أصبح انفصالاً. لذا قواعد هذه اللغة المحكية ضمن كل كيان سياسي قائم أصبح يمثل لغة قائمة بذاتها.

صحيح أن هناك لغات محكية مختلفة اللهجات واللكنات، وفي أحيان كثيرة يوجد الكثير من الكلمات المختلفة للتعبير عن الشيء عينه إلا أن هذا لا يعني أن هذه اللغات المحكية لغات قائمة منفصلة لكل منها قوانينه وقواعده الخاصة.

خطورة هذا الطرح، وجود لغة لبنانية ولغة سورية ولغة أردنية… تكمن عند ربطه مع مفهوم الأمة. فاللغة تمثل أحد المكونات الأساسية لمفهوم الأمة. وفي الوقت عينه الأمة تمثل أحد المكونات الأساسية لمفهوم الدولة.

فمن يدعو إلى جعل اللغة المحكية لغة منفصلة عن اللغة الأم فهو بطريقة مباشرة يدعو، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى إعادة تقسيم ما هو مقسم، في الأصل. والتقسيم هنا أخطر من تقسيم (الشرق الأوسط الجديد).

تطرح مسألة اللغة المحكية، بكونها لغة مستقلة عن اللغة الأم، اليوم، وكأنها مسألة عابرة، ولكنها أصبحت متداولة في كثير من الأوساط وتتجذر مع الوقت لتأخذ صيغها التقسيمية السياسية. فهل نحن مستعدون لمواجهة صيغة تقسيمية كهذه؟ أم أن مقولة لوم الآخرين جاهزة للتهرب من مسؤولية المواجهة، وتكون مواجهتنا كالمعتاد أن الاستعمار يريد تقسيمنا، ونحن جالسون نحتسي الشاي وننظر بنظرية المؤامرة من دون القيام بأي فعل أكاديمي حر للمواجهة العلمية والعملانية في الآن عينه؟

العدد 1104 - 24/4/2024