12 حزيران.. اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال

صفاء طعمة:

بعد الحرب المدمرة التي شهدتها سورية والتي أنهكت المجتمع ودمرت بنيته التحتية، شهدت ظاهرة عمالة الأطفال في سورية تزايداً متسارعاً، في ظل تردي المستوى الاقتصادي اللازم للمعيشة وفقدان كثير من العائلات المعيل الأول لها أو اضطرار أغلب الأهل إلى دفع أولادهم لترك الدراسة وإيجاد عمل لمساعدتهم في تأمين قوتهم بدلاً من إرسالهم إلى الدراسة، الأمر الذي ترك آثاره النفسية والجسدية السيئة على الأطفال. لأنهم حرموا بذلك من أبسط حقوقهم المتفق عليها.

وقد أطلقت منظمة العمل الدولية في الثاني عشر من حزيران عام ٢٠٠٢ فعالية اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، بهدف التركيز على انتشار عمالة الأطفال حول العالم والعمل على تعزيز الجهود للقضاء عليها، وأصبحت تقيم هذه الفعالية في هذا اليوم سنوياً.

عرّفت الامم المتحدة في ميثاقها واتفاقياتها المعتمدة الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره ما لم يبلغ سن الرشد حسب القوانين المطبقة عليه، وأكدت في البند الأول من المادة 32 على أنه: (تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراً أو أن يمثل مانعاً لتعليم الطفل، أو أن يكون ضاراً بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي).

وإذ يعرّف مفهوم (عمالة الأطفال) بأنه كل عمل يضر بصحة الطفل أو نموه أو رفاهيته؛ فقد قسمت اليونيسيف عمل الأطفال المحظور دولياً إلى ثلاثة أقسام:

1- الاستعباد والاتجار بالبشر والعمل سداداً لدَين وسائر أشكال العمل الجبري، وتوظيف الأطفال جبراً لاستخدامهم في النزاعات المسلحة وأعمال الدعارة والأعمال الإباحية والأنشطة غير المشروعة.

2- العمل الذي يؤديه طفل دون الحد الأدنى للسن المخول لهذا النوع من العمل بالذات، والعمل الذي من شأنه إعاقة تعليم الطفل ونموه التام.

3-العمل الذي يهدد الصحة الجسدية والفكرية والمعنوية للطفل.

وهكذا تُلقي الكوارث والحروب التي يشهدها العالم وما ينتج عنها من أزمات اجتماعية واقتصادية تعاني منها أغلب الشعوب بظلالها على الفئات الأضعف في المجتمع، ويكون الأطفال هم الفئة الأكثر تأثراً بهذه الأزمات. يلاحظ هذا الأمر في ارتفاع نسبي في أعداد عمالة الأطفال ممن هم دون سن الثانية عشرة من العمر وخصوصاً بعد أزمة كورونا التي ضربت العالم عام 2020.

وفي هذا السياق حذرت عدة تقارير صدرت عام 2021 عن منظمة العمل الدولية واليونيسيف، من أن تقدم المنظمات والمجتمع الدولي نحو إنهاء عمل الأطفال قد توقف لأول مرة منذ 20 عاماً، مما يعاكس الاتجاه السابق الذي سجل انخفاض عدد الأطفال العاملين بمقدار 94 مليون طفل بين عامي 2000 و2016، كما ارتفع عدد الأطفال العاملين في العالم إلى 160 مليون طفل_ كانت الزيادة بنسبة 8.4 ملايين في السنوات الأربع الماضية فقط_ مع وجود ملايين آخرين معرضين لخطر العمل بسبب آثار وباء كوفيد-19.

وأشارت إلى ارتفاع كبير في عدد الأطفال العاملين ضمن الفئة العمرية 5–11 عاماً، والذين يمثلون اليوم أكثر من نصف الرقم العالمي الإجمالي. وارتفع عدد أطفال هذه الفئة ممن يزاولون أعمالاً خطرة، أي أعمالاً يحتمل أن تضر بصحتهم أو سلامتهم أو أخلاقهم، بمقدار 6.5 ملايين منذ عام 2016 فوصل إلى 79 مليوناً.

وبالنسبة للتقارير الصادرة بخصوص عمالة الأطفال داخل سورية فقد ورد في التقرير الأخير الذي نشرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر: إن الوضع داخل سورية لا يحتمل، وعدم التحرك سيترك تداعيات خطيرة على جميع المعنيين وسيعوق أي احتمالات للتوصل إلى تعافٍ مستدام. فإن هذا الواقع يؤثر حتماً على الأطفال سواء في مناطق النزاع أو حتى في باقي المحافظات السورية.

لأن عمالة الأطفال في بلادنا في وقتنا الحاضر أصبحت واقعاً راهناً لا يمكن إنكاره في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، إذ أصبح لزاماً على كثيرٍ من الأطفال العمل سواء لمساعدة الأهل أو إعالتهم وخصوصاً بعد الواقع المزري الذي فرضته الحرب، فإن الحديث عن القضاء عليها يصبح ضرباً من الخيال، لكن على الأقل يجب التخفيف من آثارها ومنعكساتها على مستقبل الأطفال، ومن هذه المشكلات التسول، ومشكلة الأطفال الذين يعملون في نبش الحاويات، ومشكلة التسرب المدرسي الذي وجدت عدة فرضيات علاقته الطردية مع عمالة الأطفال وآثاره الحرجة التي تطول مستقبل الطفل.

لكن من هو المسؤول الأول عن معالجة هذه الظاهرة؟

من البديهي أن تكون وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل هي الجهة المسؤولة عن معالجة ظاهرة عمالة الأطفال، لكن مهمتها تقتصر فقط على إعادة تأهيل الأطفال المتسولين، أو مصادرة الأدوات التي يستخدمها مشغلو الأطفال وعمال النظافة. كما يوجد هناك عدة مبادرات محلية ونشاطات تديرها منظمات غير حكومية في جميع المناطق السورية لمحاولة الحد من الظاهرة والعمل على تنظيم برامج توعية للأطفال غير المسجلين والمتسربين من المدارس من أجل إعادة تأهيلهم وإعادتهم إلى مقاعد الدراسة لتأمين فرص أكثر أمناً وحياة أكثر كرامة.  ورغم أن القانون السوري ينص على إلزامية التعليم في المرحلة الأولى أي حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي، ويجبر هؤلاء الأطفال على الالتحاق بالمدرسة وتطبيق العقوبة على ذويهم في حال تسربهم منها، إلا أن الوقوف على أسباب المشكلة أصلاً، ودعم هؤلاء الأطفال وتأمين مكان آمن ومناسب لهم لممارسة حقوقهم الأساسية كأطفال تعتبر وسيلة أفضل بكثير وأنجح من حرمانهم مصدر رزقهم دون إيجاد بديل لإعالتهم.

العدد 1105 - 01/5/2024