بين الافتراضي.. والحقيقي

كتب رئيس التحرير:

مع طغيان العوالم الافتراضية المبرمجة حسب مشيئة القائمين على ابتداع مكانها وزمانها وشخوصها وحكاياتها، ولو كانت مستقاة في بعض الأحيان من وقائع الحياة الواقعية، تستطيع أن تتعامل بأدوات البرمجة ذاتها، فتتعايش من خلال تلك الأدوات مع هذه العوالم.. وفي اللحظة التي تعجز فيها عن إدراكها، تهرب من عالم إلى آخر، بل تستطيع تغيير عالم افتراضي ما، ليتوافق مع رغباتك.

هكذا تعامل البعض في الداخل والخارج مع الأزمة السورية منذ بدايتها، وهكذا يتعاملون اليوم مع مفرزات مرحلة انعطافية يشهدها عالمنا، تمارس تأثيرها الواقعي لا الوهمي أو الافتراضي على مجمل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والإنسانية على كوكبنا بأسره.

بعضهم رأى الركوع السوري أمام غزو الإرهابيين وعدوان التحالف الدولي المعادي لسورية، ماثلاً أمام عينيه! والبعض الآخر جزم بأن مسألة الخلاص من غزو الإرهاب والانتصار على العدوان، ليس إلا مسألة أيام، بل استعد للاحتفال بيوم النصر!

وبعيداً عن افتراضات هؤلاء وأولئك، كان الشعب السوري وجيشه على المتراس في ظل معاناة حقيقية، وقدموا تضحيات حقيقية، وتعرّض المواطن السوري لعذابات وآلام حقيقية.. لا افتراضية، ودُحر الغزاة عن معظم الأرض السورية، بعد أن سال الدم السوري من أجساد أبطال حقيقيين، وبعد أن أدى الحصار الجائر والتهميش الحكومي المستمر إلى فقر وجوع حقيقيين لأربعة أخماس الشعب السوري.

في الانفتاح الجاري نحو سورية، وفي الجهود التي تبذل اليوم لإنجاح الحل السياسي السلمي للمسألة السورية، علينا- حسب اعتقادي- الابتعاد عن الافتراض.. والتخمين.. والتوهم، صحيح أن تضحيات الشعب السوري يجب أن تثمر في النهاية، لكن الصحيح أيضاً أن هذه المسألة مرتبطة بتنفيذ عدة استحقاقات أبرزها:

1- الحفاظ على الثوابت الوطنية السورية المتمثلة بالسيادة، ووحدة سورية أرضاً وشعباً وطرد المحتلّين.

2- ضمان خيارات الشعب السوري الديمقراطية والسياسية دون تدخل الخارج.

3- العمل الجاد والسريع لملاقاة هموم المواطنين السوريين التي وصلت إلى مستويات مأسوية، كي لا يتحولوا إلى اليأس، في ظل افتراض البعض أن المسألة (منتهية) وأن العُقد المزمنة أمام الحل تتهاوى، في الوقت الذي لجأت فيه الحكومة إلى رفع أسعار جميع المواد والخدمات التي تتحكم بها، رغم معرفتها بوضع المواطن السوري الذي يتحول شيئاً فشيئاً إلى متسوّل على باب الله!

4- توحيد كلمة السوريين لملاقاة متطلبات الحل السلمي، عبر مؤتمر حوار وطني واسع شامل يضم جميع الأطياف السياسية والاجتماعية والإثنية، للتوافق على وضع نقطة النهاية لأزمتنا، ولرسم ملامح سورية المستقبل، الديمقراطية، العلمانية.

ما ناضل السوريون من أجله شعباً وجيشاً، وما تحمّلوه وما زالوا يتحمّلونه من عذابات لتحقيقه، كان حقيقياً، فلنذهب بهم إلى انفراج حقيقي.

العدد 1105 - 01/5/2024