هو حقّ للجميع

كتب بشار المنيّر:

في الاقتصاد الحر، العامل الرئيسي لحساب السعر هو تكلفة المنتج.. أو المستورد، أو أتعاب تأدية الخدمة، وينطبق الأمر لا على تكلفة البضائع والسلع فقط، بل على قوة عمل العمال أيضاً، فهي بضاعة كسائر البضائع، لها تكاليفها، وتؤخذ هذه التكاليف بالحسبان حين تحديد الأجور.

في بلادنا وفي ظل نهج اقتصادي تعدّدي قولاً، وليبرالي تحكمه قوانين السوق الحر فعلاً، تلجأ القطاعات الخاصة المنتجة، والقطاعات الحكومية التي مازالت حتى اليوم تسيطر على إنتاج بعض مستلزمات الإنتاج والغذاء وتوزيعها، وخاصة بعد تراجع الدور الرعائي للحكومات، تلجأ إلى حساب تكلفة المواد التي تنتجها بشكل دائم، ثم تزيد سعر هذه المواد عملاً بمبدأ التكلفة تحدّد السعر.

خلال سنوات الجمر التي عانى فيها المواطن السوري طيلة 12عاماً جميع أشكال الخوف والتهجير والفقدان، وتراجع الأجر الحقيقي، والبطالة، والفقر، كانت الحكومات المتعاقبة والقطاع الخاص المنتج والمستورد، حريصة على التمسك بهذا المبدأ الاقتصادي الأساسي.. لكن السؤال الهام هو: في البلدان الرأسمالية التي تنتهج اقتصاد السوق، تبرّر الحكومات لجميع المنتجين وبضمنهم العمال بسواعدهم وأدمغتهم، تحديد أسعارهم حسب التكلفة، وليس لطرف واحد فقط، وعندما يرى أحد الأطراف أن سعراً ما لا يغطي تكاليفه، يلجأ إلى استخدام الوسائل المشروعة اقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً للحصول على تكاليف تغطي تكاليف إنتاجه، فيلجأ إلى النقابات والاتحادات المهنية والحكومات، وينزل إلى الشوارع للاحتجاج عبر إضرابات تأخذ في بعض الأحيان طابعاً عنيفاً.

وفي بلادنا، ماذا على العامل أن يفعل كي يغطي الأجر الذي يستلمه، تكاليف سلعته، وهي قوة عمله، التي تحتاج إلى الغذاء، والكساء، والدواء، والإقامة، وحرية اللجوء إلى كل الخيارات؟

لقد رفعت الحكومة والمنتجون في القطاع الخاص أسعار جميع منتجاتهم وخدماتهم، ألا يحقّ للعامل السوري أن يرفع سعر قوة عمله أيضاً.. وكيف؟

ها هو ذا يرفع الصوت منذ عقود، وها هو ذا يستجدي ضمائر الأقوياء بعد سنوات ذاق خلالها الأمرّين في الحصول على الحد الأدنى لمعيشته، ها هو ذا يطالب عبر اتحاد نقابات العمال والنقابات المهنية الأخرى، لكن جميع الآذان كانت من طين.

هل نفهم من ذلك أن الحكومات تدفع العاملين إلى ممارسة حقّهم عبر الإضرابات، كما هي الحال في الدول الرأسمالية؟

توقفوا.. الإضرابات ممنوعة، والاحتجاجات تحتاج إلى موافقات، لا تُمنح! ابحثوا عن طرق أخرى.. خفّضوا تكاليفكم، صوموا عن الطعام، وتعوّدوا على البرد، واستخدموا الحمية لعلاج الأمراض!

صحيح أن الأزمة وغزو الإرهاب قد (قسّى) قلب الحكومات على الكتلة الشعبية الكبرى، بعد الحصار وتراجع إيرادات الخزينة، وفقدان عوائد الثروات النفطية والزراعية، لكن الصحيح أيضاً أن (قسوة) القلب يجب أن تمارَس في مواجهة المتسبّبين بالمصائب والمآسي التي عاناها المواطنون السوريون، لا على المبتلين بها وهم الفئات الفقيرة والمتوسطة التي كانت فعلاً لا قولاً السند الرئيس لصمود بلادنا وجيشنا الوطني في مواجهة الإرهاب والتقسيم والاحتلال.

كفى أيها السادة.. لا تبرّروا لأنفسكم، وتحرموا الآخرين!

آن للمواطن السوري العامل أن يحصل على حقوقه الطبيعية بطريقة ما.. إذا ما تخلّت الحكومات عن مبدأ الرعاية الاجتماعية.

فارفعوا سعر تكاليف العاملين بأجر، وحاسبوهم بالاستناد إلى هذه التكاليف، أو دعوهم يسعّرون بضاعتهم حسب الطرق التي يختارونها، وبضمنها الإضراب السلمي المنظّم، فلا يجوز الكيل بألف مكيال!

إن سورية تمرّ اليوم بأخطر مرحلة في تاريخها المعاصر، إذ تواجه الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي، وتقاوم التقسيم، وتسعى لاستعادة سيادتها على الأرض السورية بجميع الوسائل العسكرية والسياسية، والعامل الرئيسي في تحقيق ذلك هو صمود شعبنا إلى جانب جيشه الوطني.

فحافِظوا على هؤلاء الصامدين، الذين رغم انحدارهم إلى هاوية الفقر، مازالت قلوبهم وستبقى تنبض بحب الوطن!

العدد 1105 - 01/5/2024