يا عمّال سورية.. لنضالكم تنحني الهامات!

في تاريخ سورية المعاصر كانوا، وفي نهضتها، وبناء اقتصادها بذلوا وضحوا، وفي معترك الحياة السياسية منذ ما قبل الاستقلال حتى يومنا هذا بصموا. عمالنا وراء خطوط الإنتاج، وخلف معاجن الخبز، وعلى أعالي أبراج الطاقة، وفي المطابع، على سطوح المراكب والسفن كانوا، ومازالوا اليد المعمّرة الشريفة، الموعودة منذ عقود وعقود بعدالة اجتماعية، وكرامة إنسانية، وضمان معيشي واجتماعي وحياة تليق بما أنجزوه، لكن ما حصلوا عليه هو سياسات اقتصادية ريعية، وتهميش لمصالحهم، ونخب (بازغة) ثرية تأكل الأخضر واليابس.

درجت الحكومات المتعاقبة في خطابها الموجّه للعمال السوريين على الادعاء ان (الحكومة والعمال في قاربٍ واحد)! وكثيراً ما روجت بعض القيادات العمالية لهذه المقولة، لكن جميع المؤشرات والوقائع التي بدأت بالظهور منذ بداية الألفية الثالثة، أظهرت أن الحكومات لم تكن يوماً في قاربٍ واحد مع الطبقة العاملة السورية.

من يسعى إلى السوق الحر من جميع القيود الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، ومن يعمل لخصخصة القطاع العام، ومن يهمّش مطالب العمال الحيوية في الأجور العادلة والضمان الصحي والعائلي والحياة الكريمة، ومن يتغاضى عن بروز الفئات المستغلة والفاسدة والحيتان وأثرياء الحرب، الذين أرهقوا الطبقة العاملة والفئات الفقيرة الأخرى خلال سنوات الجمر، ليسوا في قاربٍ واحد مع الطبقة العاملة السورية.. الشريفة، التي أنجزت كل ما هو خيّر في تاريخ سورية الحديث، وضحّت بأغلى ما لديها في ظروف المواجهة مع الإرهابيين.

البيانات الوزارية لجميع الحكومات، خلال الأزمة، كانت مليئة بالوعود على الصعيدين الاقتصادي والمعيشي، وخاصة (السعي لتحسين الأوضاع المعيشية للطبقة العاملة والفئات الفقيرة)، لكن ما حدث بالفعل هو تدهور هذه الأوضاع، وتحوّل غالبية السوريين وفي مقدمتهم العمال، إلى خانة الفقر والفقر المدقع!

لن يكون للطبقة العاملة السورية، حسب اعتقادنا، سلاح أمضى من وحدتها، والنضال ليكون تنظيمها النقابي مستقلاً بعيداً عن الهيمنة، واستخدام جميع أشكال النضال، وبضمنها الاحتجاج والإضراب السلمي المنظم لنيل حقوقها، ما دام نظام العمل المأجور مازال يفعل فعله، وما دامت السياسات الاقتصادية تحابي النخب الثرية والرساميل الريعية.

بلادنا تخوض اليوم معركة سياسية لا تقل ضراوة عن المعارك العسكرية التي خاضتها في مواجهة الإرهاب والعدوان، وذلك من أجل إنجاح الجهود الهادفة لإنهاء الأزمة السورية عبر الطرق السياسية والحفاظ على الثوابت الوطنية المتمثلة بالسيادة الوطنية، وطرد الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي للأرض السورية، ووحدة البلاد أرضاً وشعباً، وضمان خيارات الشعب السوري السياسية والديمقراطية دون تدخل خارجي، وانتصارنا في هذه المعركة السياسية يفتح الآفاق أمام الاستحقاق الأبرز وهو اعادة إعمار سورية، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمتوازنة، بالاستناد إلى نهج اقتصادي تنموي تعددي تقوده الدولة بالمشاركة مع القطاع الخاص المنتج والرساميل الوطنية، وهذا الاستحقاق يتطلب جهوداً استثنائية، نبذلها الطبقة العاملة التي ستتولى إعادة بناء ما خرّبته أيدي الإرهابيين، لكنها تتطلب أيضاً توجهاً حكومياً نحو ملاقاة هموم الفئات الفقيرة والمتوسطة، وخاصة اليد العاملة، واستعادة الدور الرعائي الداعم للفئات الفقيرة، ووضع سياسة للأجور تقوم على سلم متحرك يتناسب مع غلاء المعيشة، والحفاظ على المكاسب التي حققتها الطبقة العاملة، وتعديل قانون العمل بهدف إلغاء التسريح الكيفي والتعسفي، وتوسيع قوانين الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي والصحي للطبقة العاملة.

معاً سنمضي، يا عمّال سورية، من أجل سورية السيدة.. الموحدة.. الديمقراطية.. العلمانية!

العدد 1105 - 01/5/2024