تحرّك سوريّ فاعل

كتب بشار المنيّر رئيس التحرير:

يمكننا، ودون مبالغة، وصف التحرك السوري خلال الفترة القريبة الماضية، والذي نعتقد أنه سيستمرّ، بأنه استجابة جدّية وحكيمة لمرحلة تشهد متغيرات عالمية وإقليمية انعطافية، ستترك تأثيرها على مجرى السياسة والاقتصاد العالميين من جهة، وعلى الجهود الدولية لحل الأزمة السورية عبر الطرق السياسية من جهة أخرى.

لقد التقطت القيادة السورية اللحظة المناسبة تماماً، لإبراز الموقف الوطني السوري المقاوم للاحتلال الأمريكي والتركي والصهيوني للأرض السورية، والمتمسّك بالسيادة السورية، ووحدة الأرض والشعب، وأيضاً بالحل السياسي، وذلك استناداً إلى الأفعال لا الأقوال.

لقد دفع الشعب السوري وجيشه الوطني الباسل ثمناً باهظاً في مواجهته لغزو الإرهابيين وللحصار الاقتصادي الجائر، وجاء التحرك السوري ليوجّه رسائل واضحة إلى جميع الجهات المتداخلة في الأزمة السورية، جوهرها أن المقاومين للغزو ولخطط الهيمنة، ولسيناريوهات الانبطاح أمام الاستباحة الأمريكية – الصهيونية للمنطقة العربية طيلة عشر سنوات، لن يفرّطوا بسيادة سورية ووحدتها ولا بطموحاتهم المشروعة لبناء سورية المستقبل، وأن الحل المطلوب يبدأ من السيادة الوطنية وطرد الاحتلال.

المشهد الجديد للمنطقة بعد تداعيات ما يجري في أوكرانيا، واستماتة القطب الأمريكي للحفاظ على وحدانية تحكّمه بالسياسة والاقتصاد العالميين، ونزوع التجمعات الدولية والإقليمية إلى إعادة الاصطفاف نحو عالم متعدد الأقطاب، وبعد عودة العلاقات بين السعودية وإيران، وبعد التقارب العربي المتعدد الأشكال مع سورية، خاصة بعد إعلان السعودية عن إعادة فتح سفارتها في دمشق، الذي تحول إلى تضامن واضح من أجل كسر الحصار، وإلغاء العقوبات الانفرادية التي أدّت إلى ركود الاقتصاد الوطني، وإفقار الشعب السوري، يشكل هذا المشهد، في اعتقادنا، الظهير القوي.. المساند للموقف السوري الذي عبّر عنه السيد رئيس الجمهورية خلال زيارته إلى روسيا.

التحرك السوري وبداية الانفتاح على سورية يواجَه اليوم بضغوط أمريكية، ومحاولات لوقف التوجه العربي نحو دمشق، وعرقلة أي تقدم في جهود التسوية السياسية للأزمة، ونعتقد أن هذه الضغوط ربما تتحول إلى سيناريو أمريكي – صهيوني جديد لإشعال المنطقة، كما سيواجَه بمقاومة جميع المنتفعين من استمرار الأزمة السورية وأثرياء الحروب، لكن من وقفوا وراء جيشهم الوطني في مواجهة الإرهاب خلال سنوات الجمر، مازالوا على المتاريس لمقاومة الاحتلال ودواعش الداخل، وها هي ذي القذائف تنهمر على القواعد الأمريكية.

الفترة القادمة مرشّحة لمزيد من الانفتاح العربي وربما الدولي على سورية، ونعتقد أن حزمةً من الإجراءات على الصعيد الداخلي، تجاه توحيد كلمة السوريين وتخفيف معاناتهم المعيشية والاجتماعية، ستؤدي إلى دعم الموقف السوري وتصليبه، ونرى أنّ عقد الحوار الوطني الواسع بمشاركة جميع الأطياف السياسية والاجتماعية والإثنية، والتوافق على إنهاء تداعيات الأزمة ورسم ملامح المستقبل السوري، سيشكّل الداعم الأكبر للموقف الوطني السوري، والرسالة الأكثر وضوحاً للعالم بأن الأوان قد حان لإنهاء مآسي السوريين.

العدد 1105 - 01/5/2024