تنمية إدارية أم تراجع إداري؟!

د. سلمان صبيحة:

سبق أن أشرنا في عدة مقالات سابقة عن أهمية وضرورة الإصلاح والتطوير الإداري في عمل المؤسسات والجهات الحكومية كافةً، وقد يكون على هذا الأساس أُحدِثت وزارة التنمية الإدارية، وللأسف الشديد يقول البعض: (إن عمل الوزارة تميز منذ عام ٢٠١٤ حتى الآن بالتنظير فقط وبكثرة الاجتماعات وعقد اللقاءات وإقامة البرامج والدورات التدريبية وورشات العمل التي أرهقت الخزينة العامة للدولة وأعاقت عمل الكوادر الإدارية).

لقد كتبنا سابقاً نحن وغيرنا العديد من المقالات في هذا الصدد، ورحبنا بأهمية الإصلاح الإداري وبضرورة تنمية الموارد البشرية والحفاظ عليها باعتبارها ثروة وطنية لا تقدر بثمن واستثمارها الاستثمار الأمثل، لكن يبدو حتى الآن أن وزارة التنمية الإدارية لم تتمكن من تنفيذ المطلوب منها في هذا المجال، أو ترجمة مشروع الإصلاح الإداري بشكل صحيح على أرض الواقع، الأمر الذي جعل البعض يتهم الوزارة بأنها هي تحديداً من أساءت للمشروع وانحرفت به عن المطلوب، ودليلهم على ذلك أن النتائج جاءت عكسية، فلا استطاعت الوزارة الحفاظ على الكوادر البشرية والكفاءات العلمية المشهود لها، ولا استطاعت تحقيق رضا الموظف والمواطن، والسبب في ذلك برأي المهتمين أن الوزارة تعاملت مع الملف بفوقية وبعنجهية واضحة وبعقلية متحجرة لا تقبل النقاش ولا الحوار إلا في الحدود التي تريدها هي بطريقة التلقين: (هيك وبس.. شاء من شاء وأبى من أبى!) أو بطريقة التعاطي مثل (بروفسور مع طالب ابتدائي)، ضاربة عرض الحائط بكل المقترحات والأفكار الخلاقة التي يمكن أن تدعم نجاح المشروع الوطني الكبير للتطوير الإداري.

أحد المختصين اعتبر أن أهم نقطة ضعف عمل وزارة التنمية الإدارية كانت: عدم دراسة واقعنا الإداري وتقييم كوادرنا الإدارية الوطنية التقييم الصحيح ومعرفة إمكانياتها الكبيرة، بل اكتفت بأخذ تجارب بعض الدول الأجنبية بطريقة القص واللصق، دون أخذ ظروفنا الموضوعية بعين الاعتبار، ودون مراعاة للخصوصية السورية وعراقة الإدارة التاريخية فيها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم تراعِ الوزارة ظروف الحرب العالمية القذرة التي مورست ضدنا، والتي مازلنا نعيشها منذ أكثر من عشر سنوات، والحصار الاقتصادي الجائر علينا.

يقول قائل: كان من الأجدر بوزارة التنمية الإدارية التي حملت شرف تطبيق مشروع الإصلاح الإداري أن تقوم بدراسة لواقع العاملين في الدولة، وخاصة أولئك الذين كانوا ومازالوا مع جيشهم البطل الجيش العربي السوري جنباً إلى جنب في معركة العزة والكرامة والدفاع عن الوطن، والتزموا بعملهم وبمعاملهم وبمنشآتهم طيلة فترة الحرب الظالمة على سورية، فلم ترهبهم القذائف ولم تمنعهم التفجيرات الإرهابية ولا العبوات والأحزمة الناسفة من أداء عملهم، بل تابعوا فيه بكل إصرار وعزيمة وقدموا آلاف الشهداء والجرحى من أجل استمرار عجلة الحياة وعدم توقف إدارات الدولة عن العمل والإنتاج.

هؤلاء الأبطال عمالنا وموظفونا الأشاوس الذين استمروا بالعمل رغم كل ما عانوه من تدهور في حياتهم المعيشية وضعف القدرة الشرائية للأجور والرواتب، هؤلاء الصابرون والصامدون والمقاومون يجب أن لا يكافؤوا بالاستبعاد والاستغناء عن خدماتهم، ليحلّ محلّهم بهذا الشكل أو ذاك مَن هرب من بداية الحرب والآن عاد أو سيعود ليقطف ثمار النصر.

إن ما قامت به وزارة التنمية الإدارية يمكن أن يكون طبيعياً في حال كنا نعيش وضعاً طبيعياً وعادياً، أما ونحن نعيش في مرحلة استثنائية فيجب أن يكون عملنا استثنائياً وعلى قدر الحدث وحجمه.

إن ما قامت به الوزارة حتى الآن واستخدام بعض المصطلحات الرنانة مثل تحديد المسار الوظيفي والذكاء العاطفي، وتحديد مدد وفترات لعمل المديرين، وإخضاع المديرين لدورات تدريبية مستمرة وخضوعهم للامتحانات هي برأي البعض من مهزلة المهازل، وخاصة امتحان تقيم المديرين الذي بات يعرف بامتحان (الحزورة) المؤتمت، الذي لا يمكن له أن يقيم عمل المدير على الإطلاق.. بل على العكس هو يساهم في تدمير ممنهج لما تبقى من كوادر و(تطفيش) لها، (يقول بعض المتابعين في العام الماضي فقط ومن خلال إجراءات الوزارة المذكورة خرج نحوي ٦٧٪ من خيرة الكوادر الإدارية من القطاع العام، وفي هذا العام سيخرج ما تبقّى من هذه الكوادر العريقة والمجربة، وبالتالي يجري تفريغ المؤسسات والشركات والإدارات العامة من كوادرها ونصل إلى مرحلة الإفلاس الإداري).

إن مثل هذه الإجراءات غير المفهومة لا تصنع قائداً إدارياً ولا يمكن لها أن تقيّمه..

لذلك ومن هذا المنطلق لابد من أن نقرع جرس الإنذار ونقول إن الإدارة بالتجريب لن تجلب لنا إلا الدمار الممنهج والتخريب.

وانطلاقاً من حرصنا الشديد على الوطن والحفاظ على ما تبقّى من كوادرنا البشرية الوطنية والإدارية، نقترح على الجهات المعنية في القيادة دراسة ملفات وزارة التنمية الإدارية ومراجعة ما قامت به خلال الفترة السابقة، والإسراع بوضع حد لعملها، وهي وحدها تتحمل مسؤولية حرف المشروع الوطني الكبير للإصلاح الإداري عن مساره واتخاذ الإجراءات السريعة التالية وهي:

١- حل وزارة التنمية الإدارية وإعطاء صلاحياتها لهيئة تخطيط الدولة لمتابعة مشروع الإصلاح الإداري وإعادة تصويب مساره للوصول به إلى بر الأمان.

٢- العمل على وضع قانون جديد للعاملين بالتعاون مع الاتحاد العام لنقابات العمال تدرج فيه وتحدد المراتب الوظيفية، من أجل الحفاظ على الكوادر الإدارية والموارد البشرية والاستفادة منها وحفظ حقها وكرامتها.

٣- إصلاح الرواتب والأجور وبعد ذلك زيادتها بشكل مستمر تماشياً مع غلاء المعيشة وتكاليفها.

٤- الحفاظ على الكادر الإداري والبشري برفع سن التقاعد من ٦٠ سنة إلى ٦٥ سنة لمن يرغب، أسوة بالكثير من دول العالم للاستفادة القصوى من الخبرات والكفاءات.

٥- دراسة ملفات كل العاملين والموظفين الذين بقوا على رأس عملهم طيلة فترة الحرب حتى الآن، والذين أثبتوا شجاعة مطلقة بالوقوف مع دولتهم، الدولة الوطنية السورية ولم يبدلوا تبديلاً، والعمل بالتنسيق مع الاتحاد العام لنقابات العمال على اعتبار الخدمة خلال فترة الحرب من أساسيات تقيم العاملين وترقيتهم.

 

٢٥/٣/٢٠٢٣..

العدد 1105 - 01/5/2024