لا مشروع.. مشروع

أحمد ديركي:

قبل البدء بأيّ عمل لا بد من رسم مخطط لتنفيذه، وبعامة يمكن القول إن هذا الرسم التخطيطي يطلق عليه كلمة مشروع. إلا أن المشروع يستحيل أن يوجد ما لم يكن هناك فكرة لا بد من تنفيذها على أرض الواقع. وإن لم يكن هناك من حاجة لتنفيذها، فلا حاجة إلى المشروع، فتبقى الفكرة مجرد فكرة قائمة في العقل البشري، فكرة يمكن الافصاح عنها، كما يمكن عدم الافصاح عنها.

من هنا يعتمد نجاح الفكرة على مدى نجاح مشروع تطبيقها. فعلى سبيل المثال هناك من يريد شراء منزل، في سورية أو لبنان أو في أي دولة واقعها مثل واقع هاتين الدولتين.

شراء المنزل مجرد فكرة، ولكي تطبق لا بد من رسم مشروع تفصيلي لتطبيق الفكرة. بداية لا بد من معرفة متوسط أسعار المنازل، ومساحة المنول المراد شراؤه، ومعدل الدخل لمن يريد شراء المنزل، والمنطقة… وتفاصيل مهمة وغير مهمة متعددة اخرى. تلغى الفكرة عند معرفة أن الفرد بحاجة إلى ما يقرب 300 سنة عمل ليشتري منزلاً، ومتوسط عمر الإنسان من 70 إلى 80 سنة. وبهذا يتبين من خلال المشروع أنها فكرة فاشلة، فيعدل المشتري، بكونه من الطبقة العاملة، عن تطبيق فكرته. طبعاً إلا إذا وجد حلاً ليعيش ما يزيد عن 300 سنة، أو مصدر دخل آخر. وكلا الحالين أمر غير وارد. فإن استطاع العيش لما يزيد عن 300 سنة فهو سوبرمان، وهذه كذبة لا واقعية، وإن وجد مصدر دخل آخر لم يعد يصنف من ضمن الطبقة العاملة.

من هنا يتبين أن المشروع مرتبط بشكل عضوي بنجاح الفكرة أو فشلها. ويطرح السؤال: من يضع المشروع؟

كي لا نبقى على الصعيد الفردي. الفكرة المتكاملة، ومشروع تطبيقها، يضعه الحزب السياسي. فالحزب السياسي هو ذاك التجمع البشري الذي يحمل فكرة ومشروعاً لتطبيقها. إن فُقد أحد الطرفين فقد الحزب السياسي مبرر وجوده.

ومن أبرز أفكار الحزب السياسي استلام السلطة السياسية ليطبّق من خلالها مشروعه السياسي، والاقتصادي والاجتماعي. أي لا بد للحزب السياسي أن يعمل على ثلاثة أصعدة متكاملة، سياسة واقتصاد واجتماع، ويتضمن المشروع التفاصيل اللازمة للتطبيق: فكرة معقدة، غير جامدة، تتطور مع مرور الزمن.

من هنا تنشأ المنافسة السياسية بين الأحزاب السياسية لاستلام السلطة السياسية من أجل أن يطبق الحزب الفائز مشروعه، السياسي والاقتصادي والاجتماعي. كي يفوز بالسلطة عليه أن يقنع، ليس فقط أعضاءه، بل مناصريه، وعامة الشعب بمشروعه. وتجري عملية الانتخاب الديمقراطي لهذا الحزب الذي استطاع إقناع أكبر عدد من الأصوات ليفوز بالسلطة السياسية.

خلال وجوده في السلطة عليه أن ينفذ مشروعه، وإن فشل أو تقاعس عن تطبيق مشروعه، لن يعاد انتخابه مرة أخرى لأنه يكون خذل من صوت له. من هنا تعتبر الديمقراطية واحدة من آليات محاسبة الحزب السلطوي الذي فشل، أو تخاذل عن تطبيق مشروعه الموعود. وفي المقابل تكون الأحزاب الأخرى تعمل على طرح مشروعها لتعاود الكرة في المحاولة للوصول إلى السلطة. فالأحزاب الموالية والأحزاب المعارضة توجد لتتنافس في مشاريع.

من المتعارف عليه أن الأحزاب المعارضة توجد في حالين: إما خارج السلطة السياسية، لعدم نجاح أعضائها في الانتخابات، أو كأقلية حزبية، أي لا تمثل قوى ضاغطة كبيرة، في السلطة السياسية. إن كانت خارج السلطة يكون هامش حركتها أكبر، بكونها لا تتحمل أي مسؤولية عن عدم تطبيق، أو تخاذل، الحزب، والأحزاب المواليه له، الذي فاز بالسلطة السياسية. وتبقى على فكرها ومشروع تطبيق فكرها. وإن كانت في السلطة، بكونها أقلية، تحافظ على مشروعها وتستطيع تمتين موقعها، في السلطة وفي خارجها، من خلال عدم التخلي عن فكرها ومشروع تطبيقها.

قد يكون واحد من أبرز الاخفاقات الحزبية في عالمنا العربي، أن الأحزاب السياسية تطرح فكرة بلا مشروع تطبيقي، فإن استلم حزب ما السلطة يقضي على كل من يعارضه، وإن وجد حزب (معارض) في السلطة يكون على هذا الحزب المعارض أن يعمل ضمن سقف سلطة الحزب الحاكم، المقترعون لا يعرفون ما هو مشروع الحزب، وأمور أخرى متعددة.

كل هذه العوامل تجعل من العمل السياسي مجرد عمل قائم على تركيبة مصالح ما بين من هم في السلطة والطبقة البرجوازية، من دون معارضة فعلية. لأن المعارضة الفعلية عليها أن تملك فكراً ومشروعاً لتطبيق هذا الفكر البديل عما هو قائم.

فغياب الأفكار يعني غياب المشاريع، وغياب المشاريع يعني غياب الأفكار! فيصبح اللامشروع مشروعاً لأنه مشروع اللامشروع لخدمة من هم في السلطة السياسية وحلفائها الطبقة البرجوازية. أي مشروع غير معلن عنه لفكرة واضحة لكنها متنكرة بشعارات رنانة.

العدد 1104 - 24/4/2024