هذه نتائج الحكومات المتخبّطة بقراراتها!

رمضان إبراهيم:

لا يمكن أن ينتقدنا شخص ويتهمنا بوهن عزيمة الأمة، إذا قلنا إن الحكومة الحالية والتي سبقتها وقبلها أيضاً لم تكن على قدرٍ كافٍ من الإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن والمواطن، فانحدر مستوى معيشة الفرد انحداراً مخيفاً، وباتت الأغلبية العظمى تحت خط الفقر.

وإذا كان البعض قد تفاءل بإحداث وزارة خاصة بالمستهلك بشكل مستقل وفاعل من خلال الدور الذي أنيط بها، فأعتقد أن غياب السورية للتجارة كجهة وحيدة للتدخل الايجابي كان له دورٌ كبير في انفلات الأسعار وتذبذبها وضعف الرقابة وتشجيع الفساد والفاسدين.

وما سأورده هنا هو خير دليل على ذلك.

فالبصل الذي نشهد اليوم ارتفاعاً جنونياً لأسعاره، إضافة إلى عدم وجوده في معظم المحلات يباع للمستهلك منذ أسابيع قليلة بـ ١٥ ألف ليرة سورية في معظم المحال التجارية، ولنتذكر أن المزارع كان قد باعه بـ ٣٥٠ ليرة وكان خاسراً، ومن هنا أُعطيت موافقة التصدير للبصل، فجرى تصدير كميات كبيرة كانت كافية لتغطية حاجة السوق، وهنا اسمحوا لي أن أسأل عما كان سيحدث فيما لو اشترت السورية للتجارة إنتاج البصل من الفلاح بـ ٦٠٠ ليرة أو ١٠٠٠ ليرة مثلاً بحيث لا يخسر هذا المزارع، هل كنا سنصل إلى كل هذه الإرهاصات والمضاربات وحاجة السوق الجنونية لهذه المادة!؟

وعندما ارتفع السعر إلى ١٥ ألف ليرة كانت تدخلت السورية للتجارة وباعته للمواطن بضعفَي ما دفعته للفلاح وحققت استقراراً في السوق، وكانت بذلك وفّرت على المواطن ١٣٠٠٠ ليرة في كل كيلو، وحقّقت في الوقت نفسه ربحاً هي في أمسّ الحاجة إليه.

منذ بضعة أيام فتح الفلاحين مستودعات الثوم الذي كلّفهم الكيلو ٢٠٠٠ ليرة وكان سوقه بـ٢٠٠ ليرة سورية، ووزعوا الثوم مجاناً للناس بينما يشتريه المواطن بأسعار فلكية، والفلاح أقلع عن الزراعة هذا العام وسيكون الثوم بـ ٢٠ ألف ليرة! ولو اشترته السورية للتجارة بسعر يربح به الفلاح لاستمرت الزراعة وضبط السوق حتى لو جُفّف الثوم بمعمل بصل السلمية، وعند الغلاء يُعرض مجفّفاً أو يصدّر، ولكن مرة ثانية وقعت السورية للتجارة في المطبّ نفسه، إذ وقفت متفرجة وانهار الإنتاج والمنتجين.

وإذا ما تابعنا الحديث عن فشل القرارات سنلاحظ أن البطاطا خاسرة اليوم مع المزارعين وسترتفع أسعارها لاحقاً، وسنعود لنقع في المطب نفسه أو في الحفرة.

ربما لو عملت وزارة التجارة الداخلية بهذه الذهنية لاستعضنا عن إشغال عناصر مديريات التموين والمواطنين أيضاً بالعديد من الضبوط التموينية المتعلقة بزيادة الأسعار.

العمل المنافس يعني الالتزام بالأسعار التي تفرضها الوزارة على التجار مع توفر سلع، وهكذا تحصل على أرباح هائلة وحوافز لموظفيها ويتحسن دخلهم، بدلاً من قيام البعض بابتزاز تاجر هنا وآخر هناك بحجة عدم الالتزام بالأسعار المحددة.

إن عدم توفر المادة هو دليل على أن التسعيرة غير منطقية، وبهذه الحالة تجبر صاحب المحل إما أن يغلق محله، أو يخالف ويرشي ويزيد سعر المادة ويضاعف ربحه، ليعوّض الرشاوي ويغطي الضبوط المفروضة عليه.

وغير بعيد عن الشأن الزراعي، عندما يحدّد ربح الكازية للتر البنزين بـ ٥ ليرات ومخصصاتها الشهرية لا تتجاوز ٤٠ ألف لتر يعني أرباح الشهر ٢٠٠ ألف، فهل يقبل بها عامل الكازية الذي يمسك الفرد. أعتقد أن هذا ما يمكن أن نسميه صناعة فساد وهروب من المسؤولية، وأذكّر بالمثل: السلطة المطلقة لغير الله مفسدة مطلقة، وما تحويل حياة الناس إلى هذه الدرجة من الفقر والعوز والضياع والحاجة إلا مساهمة بصناعة الأزمات وسبباً أساسياً في صناعة الفاسدين والمرتشين والخارجين عن القانون والأخلاق.

أخيراً

الدولة التي تسلم رقبتها للتجار والفاشلين في اتخاذ القرارات المصيرية هي دولة عاجزة، والحكومات التي تبيع إنتاجها بليرة وتعود لتشتريه بعشر ليرات هي حكومات متخبطة، تؤدي إلى دولة ضعيفة، وإذا لم نتدارك ما نحن فيه من قرارات لا تخدم نهضتنا، ولا تلبي احتياجات مواطننا، فأجزم أننا في الطريق إلى مقعدٍ لنا في المراتب الأخيرة بين الدول، وهذا ما لا نتمناه أبداً لبلادنا.

 

العدد 1128 - 16/10/2024