هل سيتغنى الشعراء عندنا بالغابة؟

يونس صالح:

تغنّى الشعراء العرب بالنهر، وبالبحر، والصحراء، لكنهم لم يعرفوا إلا نادراً ما يمكن أن نسمّيه أدب الغابة.. فالغابات في البلدان العربية هي الاستثناء، إنها لا تمثل أكثر من 1% من غابات العالم.

ولكن في مناطق جغرافية أخرى تبدو الغابة حقيقة ماثلة، إنها مصدر رزق ونشاط اقتصادي واسع، بل هي الأساس لتغيرات مناخية نحو الأفضل، بعد أن أصبح التلوث يهدد البشرية، وباتت الغازات التي تزيد من حرارة الأرض خطراً يتوقع معه العلماء أن يكون هو الخطر الداهم في قرننا.

إذاً، الغابة بعيداً عنا هي حقيقة مادية كبرى، وتحتل مساحات واسعة، لكنها تعرضت طوال القرن العشرين وبدايات هذا القرن للاهتزاز، والتهم الإنسان والحيوان والحرائق أجزاء واسعة من الغابات، بما يهدد بتغيير البيئة، كما يهدد التنوع البيولوجي الضروري لاستمرار العالم، مما دفع علماء البيئة أن يقرعوا ناقوس الخطر، ويتحدثوا عن المخاطر التي يمكن أن تحصل نتيجة إهدار الثروات الغابية، وأهم هذه المخاطر:

* تضاعف تركيز ثاني أوكسيد الفحم في الجو.

* زيادة درجة حرارة الكوكب ما بين 1.5 و4.5 درجة مئوية.

* ذوبان كميات واسعة من جليد القطب الشمالي والجنوبي، وارتفاع مستوى سطح مياه البحار بمقدار نصف متر، وبما يهدّد الكثير من سواحل العديد من البلدان بالغرق وغمرها.

ويطرح علماء البيئة والمناخ هذه التوقعات، التي تحدث لأول مرة في التاريخ، وبسرعة غير مسبوقة منذ أن بدأ الإنسان في قطع أشجار الغابة، ومنذ بدأت الثورة الصناعية أيضاً، بما صحبها من (انفجار) في استهلاك الوقود.

أما ما يجري عندنا فيما يتعلق بالغابات رغم صغر مساحتها، فهو أمر كارثي، ويتفاقم هذا التدهور الخطير نتيجة السياسات الاقتصادية غير الصائبة التي اتبعتها الحكومات المتتالية والفساد، والممارسات غير القانونية في مجال الغابات، فهناك:

* الاستيلاء على الغابات من جانب بعض الأفراد المدعومين أو الجماعات، ونقلها- وهي جزء من الثروات الطبيعية- إلى نطاق الملكية الخاصة، وتحويل مساحاتها إلى أرض للزراعة أو الرعي، أو بيعها لمافيات الأخشاب.

* وهناك خارج نطاق القوانين المنظمة، قطع الأشجار بشكل غير شرعي، وبلا ترخيص، أو بما يزيد على الترخيص، وبتقديم الرشاوى للمشرفين على الغابات، أو بإفساد الأشجار وقتلها للحصول على تراخيص إزالتها.

* ويدخل في مجال الفساد نقل الأخشاب والاتجار بها بصورة غير قانونية وغير ذلك.

إن هذه التصرفات تجاه الغابات عندنا، أصبحت خارج السيطرة وقد اندثر الكثير منها في مناطق متعددة من البلاد، بالرغم من أنها ملكية عامة. وهنا لابد من الإشارة أيضاً إلى أن دور المجتمع المحلي هو دور سلبي، فهو لا يقدّر مدى خطورة إهدار الثروة الغابية، فيما يتعلق بنظافة البيئة والحفاظ عليها.

إن ما نحتاجه اليوم فيما يتعلق بالحفاظ على ما تبقى من الغابات لدينا، والسعي لإعادة إنمائها، وإضافة مساحات جديدة، هو أن يكون التعامل مع الغابة خاضعاً لقوانين صارمة، وإيلاء الرعاية والاهتمام لدور المجتمع المحلي، والعمل بجدية لتأمين وسائل التدفئة البديلة للأخشاب، بالنسبة لقطاعات واسعة من الشعب، التي تجد نفسها مضطرة للتحايل على القانون لأجل تأمين هذه الوسائل، واتخاذ مواقف حازمة من الحكومة تجاه تجار ومافيات الأخشاب، الذين يتحملون مسؤولية كبيرة أيضاً في إهدار هذه الثروة.

إن التدخل من قبل الدولة لوقف قطع أشجار الغابات عندنا، وهذا القطع يعني مصادرة المستقبل، أصبح ملحاً لدرجة كبيرة، وربما سيغري ذلك الشعراء لضم الغابة إلى مخيلتهم إلى جوار النهر والبحر والصحراء، التي هي جميعاً مصدر للحياة.

 

العدد 1104 - 24/4/2024