هل سيدفع الزلزال إلى عالم جديد؟

بقلم إبراهيم الحامد:

لو عدنا بالنظر قليلاً إلى الخريطة السياسية والدبلوماسية العالمية والإقليمية والمحلية ومخرجاتها ما قبل زلزال 6 شباط 2023، وقرأناها بموضوعية وواقعية وحيادية، لا شك سنخرج بنتائج قد تساهم في تغيير بعض الثوابت لدى هذه الجهة أو تلك لصالح المجتمع البشري برمته.

ومنطلقي في ذلك هو: قضية الإنسان التي جنّدت لها كل الديانات السماوية وغير السماوية، وكل الفلسفات والنظريات والإيديولوجيات الوضعية، وبالرغم من التباينات فيما بينها ممارسة وتطبيقاً، إلا أنها جميعاً نادت وتنادي بحقوق الإنسان وحرية الإنسان وكرامة الإنسان، فإن كان التوجه صادقاً وهناك رغبة في ذلك، فلماذا إذاً الإنسان يعاني أبشع أنواع الظلم والاضطهاد والقمع والاستبداد والجوع والتشريد على امتداد سطح الأرض، حتى بات الإنسان حقل تجارب لسلاح وأوبئة من صنع بني الإنسان أنفسهم.

وبالعودة إلى ما أشرت له في المقدمة، وقراءة الخريطة السياسية والدبلوماسية للقوى السائدة على المجتمع البشري، وتداعياتها على حياة الإنسان ما قبل الزلزال، وفي خضم معالجة نتائجه وما يجب أن تنجم بعده، يمكن قراءتها كالتالي:

بالنسبة لتركيا مركز الزلزال، التي كانت تعيش في أزمة داخلية وخارجية متناقضة ومتخبطة، فهي من جهة وجهت حراكها الخارجي للعودة بتركيا إلى حالة صفر مشاكل مع الجوار لما كانت عليه قبل ما سمي بـ(ثورات الربيع العربي)، لتعوض بذلك عما فقد من شعبية للرئيس التركي والحزب الحاكم داخلياً قبيل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في حزيران المقبل.

ففي هذا الجانب كانت قد دخلت في مفاوضات مع مصر حول ملفات خلافية بينهما إثر اندلاع (ثورات الربيع العربي) في مصر وليبيا، وأهمها: احتضان تركيا المعارضة المصرية الإخوانية ودعمها، ولقد توصل الطرفان إلى تفاهمات عبر تنازلات تركية مهمة بشأن المعارضة المصرية لديها، وكانا في مفاوضات ماراتونية بشأن ملف دعم التركي لإخوان مسلمي ليبيا وتدخلها العسكري فيها، إضافة إلى ملف غاز المتوسط.

كما أن تركيا كانت في سباق مع الزمن من أجل إعادة العلاقات مع الحكومة السورية التي حاربتها طيلة إثني عشر عاماً من عمر الأزمة السورية بكل الوسائل، ولكن تعيق مساعيها تلك عقبات أهمها: الأمريكية والإيرانية ومصير المعارضة السورية والميليشيات المسلحة المدعومة من سلطة تركيا نفسها في مناطق خفض التصعيد المتفق عليها في منصة أستانا وما زالت تركيا تماطل في تنفيذها.

و إلى جانب حراكها التصالحي كان لها أيضاً خطوات تحريضية لإشعال الحرب في المنطقة وأهمها: التهديد بالاجتياح لما تبقى من الشمال وشمال شرق سوريا بعد عمليتي (درع الفرات) و(غصن الزيتون) بتفاهمات مع كل من أمريكا وروسيا، بحجة تطهيرها من القوات الكردية التي تراها هي أنها (إرهابية) والذي كان موضوع خلاف بينها وبين أمريكان التي تدعم تلك القوات ضد (داعش) كما تعلن دوماً، إضافة إلى تهديد جارتها اليونان قبيل الزلزال بقصف عاصمتها بصواريخ بالستية من صنعها، وردت اليونان بأنها قادرة على الدفاع عن نفسها، وفي الوقت ذاته قد دخلت في صراع وخلاف مع الدول الإسكندنافية السويد وفنلندا حول انضمامهما لحلف الناتو، وتزامنت معه مظاهرات في السويد كانت موجهة ومنظمة في البدء ضد تركيا، إلا أنها تطورت بعد (خروجها من تحت السيطرة) وتحولت ضد عموم المسلمين؟ كما كانت في حالة عدم الوفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، الحليفة الاستراتيجية لها، والتي احتجت على الضربات التركية ضد القوات الكردية السورية في المناطق السورية المحتلة من قبلها.

أما الواقع السوري المتأزم اقتصادياً واجتماعياً جراء ممارسات قوى الفساد ما قبل الأزمة والتي تعقدت أكثر طيلة سنوات الأزمة نتيجة للممارسات قوى الإرهاب ومرتزقة السلاح والاحتلالات ونهب وسرقة مقدراتها، فضلاً عن الحصار والعقوبات المفروضة عليها دولياً، إضافة لضربات جوية اسرائلية عدائية والمتكررة لمناطق سورية مختلفة بذريعة التواجد الإيراني وحزب الله المعاديين لها في جنوب السوري، إضافةً لمقاطعة الدول العربية ل”النظام “، ودعم المعارضين له إثر اندلاع ما سمي ب”الثورة” من “ثورات الربيع العربي ” وتجميد عضويتها في جامعة الدول العربية تماشياً مع المشروع الأميركي في المنطقة.

وعموماً كان العالم يشهد العديد من مشكلات كانت تنذر بحرب كبرى فضلاً عن التوتر الأخير ما بين أميركا والصين بسبب المنضاد الصيني واتهامها بالتجسس وإعلان الكونجرس الاستفزازي بزيارة رئيس النواب الأميركي الجديد لتيوان، والتي رفعت حفيظة الصين، والتي قررت بدورها لتبدأ هي الاستفزاز، وارتفعت وتيرة التوترات في شرق الكرة الأرضية لذروتها في المربع الأخطر ما بين صين ويابان والكوريتين وتايوان، حيث أعلنت طوكيو إعادة الجيش للحياة لمواجهة الصين واستنفرت كوريا الشمالية وكأنها تحضر لحرب وشيكة، وأضيفت كل تلك الأوضاع والتوترات إلى نيران حرب الروسية الاوكرانبة التي ختمت سنتها الأولى على عتبة الزلزال، حيث تتسارع روسيا لحسم المعركة، وإن إضرت لاستخدام السلاح النووي كما تلوح به.

ودول الاتحاد الأوربي كانت لا تخلو من التباينات والانقسامات في الرؤى حول الحرب الروسية الأوكرانية.

لقد كانت التوترات هي السمة العامة التي كانت تعج بالعالم قبيل الزلزال، وكأنه كان يبحث على ما يساعد الجميع على الركود والتموضع والبدء من جديد، فهل كان الزلزال هو العامل المساعد لذلك؟

كان ذلك هو وضع العالم قبل الزلزال، والذي هز العالم وتوقف عنده الزمان، وطال تداعياته الملابين سياسياً وإنسانيا واقتصادياً، دفعت بالجميع لإعادة النظر والتغيير في الكثير من الأمور.

اليونان كانت أول من أسرعت لتلبية نداء تركيا وقدمت لضحايا الزلزال من الاتراك كل ما يحتاجونه، وظهرت بمظهر أقرب لتحالف مع تركيا من العداوة، حيث ردت كبرى صحف اليونانية بشعار “كلنا اتراك “على صحيفة شارلي أدوالفرنسية التي سخرت من مأساة الأتراك، كما أوربا وأمريكا رغم خلافاتهم معها قد أسرعوا لنجدتها.

حتى روسيا وأوكرانيا اجتمعتا موحدين بعد سنوات من الحرب بفرق انقاذ موحدة، وخفتت أصوات الصواريخ طيلة ايام الإنقاذ وتقديم المساعدة، وهبت مصر لمساعدة تركيا، كما هدأ التوتر بين الصين وأميركا احتراماً للمتضررين، وأخيراً سمع العام بمناطق سورية منسية واقعة تحت الاحتلال وسيطرة الإرهابيين وتعاني من أساسيات الحيات وعانا ساكنيها من الشعب السوري أكثر مما نجم من الزلزال، ودفعوا فاتورة أكبر.

وتدافعت العديد من الدول العربية لتقديم المساعدات للشعب السوري، وحتى إسرائيل عرضت مساعدتها لطرفي الصراع السوري موالاة ومعارضة، إضافة لحراك دبلوماسي عبر إتصال العديد من رؤساء الدول ومسؤلين رسميين مع رئيس سوريا بشار الأسد بعد مقاطعة طيلة الأزمة، كما جاءت تجميد العقوبات الأميركية على سوريا متأخرا رغم تسيسها هي والأمم المتحدة لعملية المساعدات حيال ضحايا الزلزال في كل من سوريا وتركيا.

وكأن الزلزال هو المطلوب، ليهز العالم ويدفعه إلى التموضع من جديد ويمهد لخلق توازن عالمي يفضي إلى الأمن والاستقرار العالميين.

وأولاً، قد تدفع بروسيا وتركيا لبحث مستعجل لحل الأزمة السورية القائمة، وهو ما تباحث حوله الطرفين منذ سنوات، وقد تتطر حكومة العدالة والتنمية التركية بقبول أي حل وتقدم التنازلات في ظل ارتفاع نبرة المعارضة التركية حول اللاجئين وإعادتهم، وتقلل بذلك ما أمكنها لعدم استغلال المعارضة لنتائج الزلزال ضد طيب رجب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقد يشكل ذلك فرصة مناسبة للقاء سوري تركي على مستوى رؤساء حيث كان أردوغان يبحث عن فرصة مناسبة له، وعله الزلزال قد قربه.

و إسرائيل التي تسعى لاستغلال ما قيل عن “عجز إيران” لمد يد العون لسوريا بسبب الحصار والعقوبات الأمريكية والأوربية عليها، إضافة للأوضاع الداخلية وبوساطة روسية لفتح مسار العلاقات الإسرائيلية السورية، وهي، أي “اسرائيل” قد تقوم بسياسة الخيارات الصعبة، وتضع سوريا أمام خيارات مفتوحة “وحسب الموقف الاسرائيلي ورؤيتها “: الخيار الأول، إذا استمرت سوريا في محور إيران، ستتضاعف الصعوبات بفعل الزلزال وتسوء الأوضاع المعيشية لحد المجاعة فيها، والآخر كما تراها “اسرائيل “أيضاً وهو: “إذا خرجت سوريا من كنف إيران ” قد تحدث تغييرات تفضي لانفتاح عربي عليها وتقدم لها المساعدات ويستعجل بحل الأزمة السورية وفق رغبة الحكومة السورية، تزامناً مع تسوية الخلاف التركي السوري وإعادة العلاقات الودية بين الطرفين.

وما سبق يؤكد إن ردات وتداعيات الزلزال إلى جانب ما أحدثه على الأرض، قد شمل التداعيات السياسة في العالم أجمع، كحالات الأزمات الكبرى التي أفضت دوما لإعادة ترتيب العلاقات الدولية من جديد وفقاً لتوازنات القوى الجديدة.

وزلزال تركيا عام 1999أقرب مثال لذلك، والذي غير وجهة تركيا ب١٨٠ درجةً، بعد أن دفع الناخبين الاتراك آنذاك للعزوف عن الأحزاب التقليدية، وصوتت لصالح حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان، والذي أخرج تركيا بنظام جديد مخالف لنظامها السابق طيلة تاريخها ومنذ تأسيسها عام 1923 على يد مؤسسها أتاتورك، فإن أبقى الزلزال على أردوغان أو استبدله بآخر، إن

من المنطق والتفكير السليم بأن عالم جديد مختلف عما سبق قد يلد، وأقله في منطقة الزلزال، ليكون له تداعيات على العالم أجمع، وتبقى الأيام القادمة كفيلة من صحة التوقع من عدمه.

سان ماراين – النمسا في ١٤/٢/٢٠٢٣

 

العدد 1105 - 01/5/2024