الملامح الرئيسية في واقع البلدان العربية

يونس صالح:

المتابع لملامح الواقع في البلدان العربية خلال الربع الأول من القرن الحادي والعشرين يتبين ثلاثة مظاهر رئيسية، هي ليست بالطبع كل الملامح ولكنها فقط الخطوط العريضة، ويمكن تلخيصها في الآتي:

العنصر الأول: هو وضع النفط العربي والثروة العربية في مسار سياسة البلدان العربية وتأثيرها وتأثرها.

لقد لعب النفط قبل عام 1973 دوراً جزئياً في الساحة العربية، ثم أخذ يلعب دوراً أساسياً بعد ذلك.

لقد تعاظم دور النفط بسبب ارتفاع ثمنه، وبالتالي اتساع قاعدة مساهمته في اقتصاد البلدان العربية، حتى أصبح الاقتصاديون يقولون إن مصادر النفط في البلدان العربية تمول نحو 88% من واردتها. ولو قدرنا نظرياً فقط اختفاء عائد النفط منها، لم تكن لتستطيع من خلال موارد الإنتاج الأخرى إلا تمويل 12% من احتياجاتها من السلع والخدمات.

إن البلدان العربية كلها بلا استثناء مازالت تعتمد للأسف الشديد على ما تستورده من الخارج، وهذا يعطينا صورة فقط للدور الذي يلعبه النفط والأموال النفطية في ساحة البلدان العربية الآن.. وهذا الدور قد صاحبه لا شك دور أو أدوار أخرى في الساحة العربية والعالمية، وتبعته مظاهرة عدة، وعلى رأسها ممارسة جديدة لدول النفط في الساحة العربية لم تكن موجودة في السابق، وتطور اجتماعي وفي البنية التحتية العمرانية خلق حاجات ومطالب جديدة، وأثر على الخريطة العربية عن طريق الهجرة الداخلية بين البلدان العربية وما تبع كل هذه الظواهر من إيجابيات وسلبيات.

وتلوح الإجابة على هذا العنصر الأول، بأن البلدان العربية مطالبة في هذه الفترة باستخدام عائداتها النفطية لبناء قاعدة إنتاجية بديلة أو موازية للدخول النفطية. إن هذه القاعدة الإنتاجية هي الضمان الحقيقي للتطور في المستقبل.

العنصر الثاني: يمكن أن يلخص تحت عنوان عام هو (الصراعات العربية – العربية)، إن هذه الصراعات كانت موجودة في السابق، إلا أن طبيعتها قد اختلفت الآن. في السابق كانت هناك خطوط حمراء في الخلاف أو الصراع العربي- العربي، أما الآن فقد زالت.

كان وجود الأخ الأكبر، يحدّ من هذه الصراعات ويضعها في أحجام لا تتخطاها مهما احتد الخلاف أو الصراع، أما الآن فقد أصبحت الصراعات مريرة لأسباب عديدة، وأصبحت لعبة التحالفات العربية والمحاور المختلفة تخرج عن تلك الخطوط الحمراء التي قيدتها مواثيق جامعة الدول العربية، كي تتحول إلى صراع طويل ومرير بين أكثر من بلد عربي، أو في البلد العربي الواحد، كما يحدث الآن.

وقد تعرض أهم هدفين من الأهداف العربية للخطر، وحتى للخطر الشديد، وأعني بهما أمن البلدان العربية، ورفاهية شعوبها، وتبدو الإجابة على هذا العنصر من جديد بأن لا مفر من حد أدنى للتضامن العربي، وأول طريق التضامن العربي هو الاعتراف بالاجتهادات السياسية والاجتماعية التي يتبناها البعض كواقع موجود على أن تدرس الأمور على أساس إيجاد العوامل المشتركة والجوهرية للحفاظ على الأمن والرفاه في هذه المرحلة التاريخية.

العنصر الثالث: وهو التغيير في الأدوات القيادة العربية، فبعد أن كانت مصر هي مركز القيادة العربية لأسباب كثيرة، منها امتلاكها لموارد القوة المتعارف عليها مثل القاعدة التكنولوجية النسبية والتعليم، وكانت هذه العناصر مع غيرها تشكل بنية مصر، وكانت تمارس نفوذها، وكان ذلك مقبولاً من العرب الآخرين، لكن مركز الثقل بعد التحولات التي حصلت انتقل إلى بلدان عربية أخرى، منفردة أو مجتمعة نتيجة لأسباب موضوعية منها الثروة النفطية. هذا التغيير الموضوعي خلق على أقل تقدير تعددية في مراكز القوة العربية، وأصبح للقاعدة البشرية صنو آخر هو القاعدة الاقتصادية، وتظهر وجهة النظر هذه في أن بلدان عربية عديدة أصبحت مركزاً لعدد كبير من المؤسسات العربية المشتركة، وبالتالي مركزاً لاتخاذ قرارات لا تتعلق ببلدانها فقط، إلى جانب عنصر هام آخر هو المساعدات الاقتصادية، كما برزت خلال هذه الفترة مراكز إعلام مؤثرة خارج مراكز القوة العربية التقليدية.. أمام هذا الواقع لابد من التفكير في توزيع الأدوار بدلاً من احتكارها، والأخذ بمبدأ التشاور وبيان المصلحة المشتركة بعيداً عن الوقوع في خطأ الانفراد في القرار.

 

وماذا بعد؟

لقد وصل العديد من المفكرين في النهاية إلى أن الخطوات السياسية التي اتخذت في بدايات القرن الحادي والعشرين قد أدت إلى شرذمة البلدان العربية وبعثرتها، ولقد ساهمت عناصر كثيرة داخلية وخارجية وإقليمية في الوصول إلى ما وصلنا إليه الآن. ولكن السؤال الأهم هو: وماذا بعد؟

المطلوب هو نظرة جديدة إلى الواقع في البلدان العربية من أجل انتشاله من هذه الوحدة، ولن يتأتى لك من خلال الأماني والرجاء، بل من خلال خطط متكاملة تؤدي إلى العودة إلى المبادئ الرئيسية التي كانت، وهي عدم السماح باستباحة أي أرض عربية، وهذا مبدأ أساسي لابد من الرجوع إليه، ثم تجميد الصراعات العربية – العربية التي طال أمدها لطول الاختلاف في الاجتهادات الاجتماعية والسياسية، والأهم من كل ذلك أن التغير المطلوب يجب أن يحصل في الذات لا في الآخرين، أو حلّها، من أجل الشعوب العربية، ومن أجل الأجيال القادمة.. فهي الباقية.

 

العدد 1104 - 24/4/2024