د. عمار يوسف لصحيفة (النور): قانون البيوع العقارية.. تعطيل الاقتصاد والمساس بأبسط متطلبات حياة المواطن

سليمان أمين:

عدلت الحكومة السورية منذ عدة أيام في مواد قانون البيوع العقارية، وبات يجب سداد مبلغ عبر الحسابات المصرفية يعادل نسبة 50 % من القيمة الرائجة للوحدة العقارية المباعة، بعد أن كانت 15 بالمئة، وجاء ذلك في القرار الذي أصدره رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس، والذي حدد فيه شروط جديدة بخصوص عمليات بيع وشراء العقارات والمركبات منها دفع 15 ٪ من قيمة البيوع العقارية الرائجة ومن 3 إلى 20 مليون ليرة للسيارات حسب تاريخ صنعها عبر الحسابات المصرفية.

وقد جاء في قرار أصدرته رئاسة الوزراء أنه تم تعديل شروط توثيق عمليات بيع العقارات والسيارات إذ يجب إيداع 50 بالمئة من القيمة الرائجة للعقار أو الأرض في المصارف.

وبموجب هذا التعديل يرفع سقف السحب اليومي من الحساب المذكور إلى 25 مليون ليرة، ويمكن لصاحب الحساب المصرفي أن يقدم طلباً إلى المصرف المركزي في حال احتاج إلى سحب مبالغ أكثر من ذلك.

فما تأثير تعديل قرار البيوع العقارية على واقع العقارات في سورية، التي تعاني من حالة جمود وكساد كبيرة جداً بسبب ارتفاع الأسعار الكبير الذي شهدته، إضافة إلى تردي الوضع المعيشي للسوريين إلى أدنى مستويات خط الفقر، وكثرة العرض وقلة الطلب.

للاطلاع على واقع العقارات في سوريا والتعديل الأخير لقانون البيوع العقارية كان لصحيفة (النور) هذا اللقاء مع الخبير الاقتصادي الدكتور عمار يوسف، وسألناه عن مدى تأثير تعديل قانون البيوع العقارية على المواطنين السوريين الراغبين بشراء عقار أو سيارة؟

التأثير سوف يكون على المواطن الذي سيبيع عقاره وليس على المواطن الراغب بالشراء، أما بالنسبة للسيارات فالوضع طبيعي 20 أو 30 مليون. أما المشكلة الكبيرة بالنسبة لأصحاب العقارات التي يبلغ ثمنها على سبيل المثال ملياري ليرة سورية وفق تخمين قيمة العقار، فعليه أن يضع مليار ليرة سورية بالحساب المصرفي ويستغرق سحبها حوالي شهرين، والتأثير سوف يكون من ناحيتين، الناحية الأولى قيمة المليار عند إيداعها بالحساب المصرفي سوف تتغير قيمتها بعد شهرين في ظل انخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية الذي يحدث بشكل يومي، إضافة لذلك في حال كان يريد شراء عقار خلال هذه الفترة، فصاحب العقار يتعامل بثقافة (الكاش) لا يمكن أن يبيعه العقار لمدى شهرين كي يسدد له ثمنه، وبالتالي سوف يرتفع سعر عقاره نتيجة ارتفاع الدولار مقابل الليرة السورية، هذا يؤدي لفشل بالنسبة لموضوع التداول العقاري في البلد.

ما الغاية من صدور هذا القرار في هذا التوقيت الذي تعاني فيه البلد والمواطنون من سوء الخدمات والمعيشة؟

غالباً الغاية من هذا القرار سحب السيولة المتداولة بين المواطنين، وهذا بكل أسف ما دأبت عليه السلطات النقدية لدينا على هذه العملية في محاولة تجفيف السيولة في البلد، بحجة أن المواطنين يشترون دولار حتى يجمدوها واستعمال السيولة الذي معهم لشراء الدولار والتحكم وهذا الشيء يؤدي لانخفاض الليرة السورية، ولكن ما أراه بالعكس تماماً، نلاحظ منذ ثلاث سنوات الحكومة تنتهج سحب السيولة من السوق، ولعل أكبر مثال لذلك إلغاؤها للقروض بفترة تضييق على موضوع القروض والإجراءات الإدارية المتعلقة فيها، وعدم محاولة ضخ أي سيولة في البلد حتى تتحرك المصالح كلها، وكما نعلم أن الحكومة هي الوحيدة التي يمكن أن تضخ سيولة في البلد وليس أي شخص آخر، فهذا التضييق الحاصل أدى إلى ما وصلنا له اليوم من انهيار للقدرة الشرائية لليرة السورية نتيجة الممارسات الخاطئة التي تقوم بها السلطات النقدية التي تؤدي لانهيارات متلاحقة لليرة السورية.

هل يمكن اعتبار هذا القرار نوع من الأتاوات التي تحرم المواطنين من امتلاك بيت وسيارة في بلدهم الأم؟

لا يمكن أن نعتبره نوعاً من الأتاوات لأنها تحرم المواطن من امتلاك سيارة أو بيت ,لأنه أساساً من المحرمات على المواطن العادي في سورية أن يمتلك بيتاً أو سيارة، ولسنا بصدد الحديث عن أصحاب رؤوس الأموال والمتنفذين وأثرياء الحرب وتجار الأزمة، أما المواطن العادي إذا أراد أن يشتري بيتاً في سورية حسب دخله فإنه يحتاج إلى 300 سنة حتى يشتري بيت بشرطين أولاً أن تبقى أسعار العقارات ثابتة دون تغيير، وثانياً أن يتضاعف دخله مرتين أو ثلاثة وخلال هذه الـ 300 سنة لا يأكل ولا يشرب ولا يتنفس حتى يتمكن من شراء عقار! فالمواطن اليوم محروم من امتلاك بيت أو سيارة ومحروم من الحلم بذلك أيضاً ضمن المعطيات الاقتصادية الحالية.

بالنسبة للقرار الأخير بسداد 50% من ثمن الوحدة العقارية عبر الحسابات المصرفية، هل هو لرفع السيولة في البنوك التي تعاني أصلاً من ارتفاع معدلات السيولة لديها بشكل غير صحي؟

في الاساس ليس المطلوب رفع السيولة عند الحكومة في المصارف لأنها في الأساس متخمة بالسيولة، أما برأيي الشخصي الهدف منها هو تعطيل الاقتصاد وتجميده بطريقة أو بأخرى، والمساس بأبسط متطلبات حياة المواطن من حيث المبدأ ليس الهدف منها رفع السيولة للمصارف لأنها متخمة بالسيولة بسبب عدم استخدامها وضخها في الأسواق، أما ما يحدث فهو مجرد سياسة نقدية تستخدم منذ سنتين أو ثلاث وأثبتت فشلها، ولكن لا يريدون أن يقتنعوا بأنها فاشلة وأن المواطن ازداد فقراً نتيجة السياسات النقدية التي يعتمدونها.

وفي سؤال أخر ما مدى تأثيره على حركة بيع العقارات التي تعاني أصلاً من ركود شديد؟

بالتأكيد سوف تؤدي هذه القرارات إلى جمود بيع العقارات، وإلى إلغائها في نواحٍ كثيرة لسبب بسيط جداً وهو أن المواطن الذي يريد أن يبيع بيته ويشتري بيت آخر، فهو يبيع لتحقيق فرق قيمة بين العقارين ليستفيد منها في تأمين أكله ومستلزماته الضرورية للمعيشة، أما في هذه الحالة بقرار البيوع العقارية فيجب عليه أن يضع نصف قيمة العقار في المصرف ولا يستطيع استرجاعها إلا بعد مضي شهر، والذي سوف يبيعه العقار يريد ثمنه (كاش) ولن ينتظر شهراً أو شهرين لأن قيمة المبلغ سوف تنخفض، وبالمقابل سوف يرتفع ثمن العقار مما يؤدي إلى عدم إمكانية استمرار البيع، وبالتالي سوف ينتج شلل وجمود بالحركة العقارية.

العدد 1104 - 24/4/2024