تحرُّك أمريكي استباقي لأيّ انفراجة

كتب رئيس التحرير:

بات واضحاً أن الإدارة الأمريكية ماضية في الدفاع عن هيمنتها كقطب أوحد يعطي الإشارات الحمراء والخضراء، ويتحكم في مجريي السياسة والاقتصاد العالميين، خاصة بعد العملية العسكرية الروسية في الدونباس، والإعلان المتكرر لقادة روسيا، وفي مقدمتهم الرئىس بوتين، بات واضحاً أن عالم القطب الأوحد قد ولّى إلى غير رجعة. هذا السلوك الأمريكي ظهر في زيادة سخونة البؤر الساخنة في مناطق عدة في العالم (أوكرانيا، بحر الصين، إيران والخليج، الأزمة السورية). فمنذ أن بدأت جهود التسويات السياسية لتهدئة الأوضاع في هذه المناطق، عملت الإدارة الأمريكية على عرقلتها، بل لجأت إلى إشعال هذه البؤر عن طريق زيادة الوجود العسكري الأمريكي فيها، وإفهام الجميع أن أي حل لتهدئة الأوضاع وحل الأزمات عليه أن يمر عبر المصالح الأمريكية.

وازدادت شراسة السلوك الأمريكي مع اصطفافات جديدة ضمت دولاً وتجمعات إقليمية وسياسية واقتصادية، بعيداً عن الهيمنة الأمريكية، وتسعى إلى السلام العالمي وإلى عالم متعدد الأقطاب.

في المسألة السورية تجسد السلوك الأمريكي بأوضح صوره، فبعد عرقلة الإدارات الأمريكية المتعاقبة لأي جهد دولي لحل الأزمة السورية عبر الطرق السياسية، دأبت على احتلال الأرض السورية، وشجعت.. بل راهنت على تقسيمها بالتحالف مع قادة بعض المنظمات والقوى الكردية، وفرضت العقوبات الظالمة على الشعب السوري. وعندما أثمرت الجهود الروسية وجهود منصة (أستانا) عن تقارب سوري تركي قد يفتح الآفاق أمام حل سياسي للأمة السورية، استنفرت الإدارة الأمريكية مطابخها العسكرية والسياسية والاستخباراتية لمنع أي خطوة في هذا الاتجاه.

1- بدأت حملة من التهديد والوعيد في وجه تركيا، محذرة من اشتراك تركيا في أي حل سياسي مع (نظام الأسد).

2- زادت من وجودها العسكري على الأرض السورية، وأضافت أسلحة ولوجستيات جديدة لقواعدها العسكرية.

3- أرسلت ممثليها السياسيين والعسكريين إلى المنطقة الشرقية من البلاد لتشجيع من توهموا بأن تأمين الحقوق يمر عبر تقسيم سورية، وللاستمرار في رفض الحوار مع الحكومة السورية رغم خطر الاجتياح التركي، وتمييع أي وساطة روسية في هذا المسعى.

4- فرض قانون جديد (الكبتاغون) لتضييق الخناق أكثر فأكثر على الشعب السوري، الذي أصبح يبحث عن رغيف وعلبة دواء ودقائق من الدفء.

5- زادت من تدخلها المتعدد الأشكال بإيران بعد أن قبرت الملف النووي (5+1).

المسعى الأمريكي يهدف إلى عدم نجاح جهود التسوية السياسية، وخاصة ما لاح مؤخراً من بوادر تقارب بين سورية وتركيا، إذ يعني نجاح هذه الجهود بالاستناد إلى الثوابت الوطنية السورية المتمثلة بالسيادة وخروج الاحتلال الأمريكي والتركي ووحدة سورية أرضاً وشعباً، يعني ببساطة شديدة أن العالم قادر على حل جميع النزاعات دون أحادية القطب.

معاداة الأمريكيين للتقارب السوري – التركي، وبعض التفاؤل الذي تركته تصريحات مسؤولي البلدين لا يعني أبداً أن هذا التقارب استكمل أسباب تحوله إلى تفاهم نهائي، فمازالت القوات التركية تحتل الأرض السورية، لكنه يعني أن الحكمة والحوار والتمسك بالحقوق والثوابت الوطنية والمصالح العليا للوطن والشعب، وتجميع كلمة السوريين عبر حوار وطني شامل يضم جميع المكونات السياسية والاجتماعية والاثنية، وتخفيف الأعباء المعيشية- الكارثية عن كاهل المواطنين السوريين، جميع هذه العوامل ستلعب دوراً رئيسياً في دعم المفاوض السوري في أي حوار سلمي لحل الأزمة السورية.

رغم الأوضاع الاقتصادية المتأزمة، ورغم المعاناة المعيشية التي تكوي المواطنين السوريين، ورغم تهميش الحكومة لمطالب الفئات الفقيرة، علينا التمسك بأمل الانفراج، وعلى مسؤولينا على جميع المستويات، ملاقاة تضحيات الشعب السوري.

العدد 1105 - 01/5/2024