سفينة الحكومة والأفكار البائدة

 سليمان أمين :

مع كل طلّة، تُتحفنا الحكومة بما يزيد الطين بلّة، وما يُراكِم فوق العلل علّة، فتضرب أخماسها بأسداسها، وتستشعر عن بُعد بإحساسها، أن ما يُثقِلُ كاهلها ويلوي كاحلها، هو المواطن! فأعطته العام الفائت استراحة! وكأن في المكوث في البيوت سروراً وراحة! وزادت للموظفين من العُطَل أحدا، ومن الإجازات للراغبين مددا، وألغت ساعات الإضافي، على أن (المقطوع) الشهري (كافي). فهل يعيش المواطن-في كنفها- عزيزاً، أم يختفي من الوجود، بينَ طَعنِ القَنا و(إخفاق) البُنود؟!

بنود تتجاوز الحدود 

بندٌ يرفع أسعار المحروقات وجلّ أنواع المشتقّات.. مشتقّات النفط السليب و-أوتوماتيكياً- مشتقّات الحليب!

وبندٌ يخفض مخصصات النقل الداخلي والأفران من مادة المازوت الخارقة الحارقة، بما يكفّ اليد العاملة، ويطلق اليد السارقة، فهل يبقى بعد ذلك من الأمل بارقة؟!

بندٌ يعلن عن توقف الدوام في مركز خدمة المواطن بمحافظة دمشقَ، فلا يتعب أخونا بالله ولا يشقى، لأن مكتب الدفن بباب مصلّى سيستمرّ ويبقى، مقدِّماً الخدمات، لمن سيموت أو من مات، وذلك طيلة أيام الأسبوع، ودون ضريبة بكاءٍ ودموع!

أما أنشط البنود فبندٌ يتغاضى عن أنشطة الرياضة، وكأنها عيب وغضاضة، أو رفاهية فضفاضة، رغم أنها في قاموس الأرباح مُدِرِّةٌ فيّاضة، تجلب أموالاً هامة، من دون اتحادات عامة!

ومن البنود ما أوقف الدوام في التعليم المفتوح عدة أيامٍ من كانون الأول المنصرم، فهل تجمّعت أسباب الأزمة فيه، وهل من فرج مرجوٍّ لدى أخيه؟!

وبندٌ يزيد من ساعات –بل من أيام- تقنين الكهرباء والماء، فهل ينفع مع هذا البند استرحام أو استجداء، وهل وجدت الحكومة –ومن في حكمها- دواءً لهذا الداء؟!

إنها حكومة السدود والنَّفَس المرصود، فهمس المواطن في أُذنها كلطم الخدود، لا يهدأ له بال، ولا يكتمل في فمه سؤال، ولا تنفع معه حججٌ، ولا تُجدي ردود! أما دخله فمحدود مهدود، وما عسى الحكومة أن تفعل من أجله سوى تقديم الوعود؟!

وعود في مهب الريح 

وعدٌ بالترميم وإعادة الإعمار.. ووعدٌ بزيادة شدّة التيّار، بعد أن تشرق الشمس على المصافي ويأتي نفط الحلفاء الإضافي.. ولكن هيهات ما لم يوقَف الحيتان وثعالب الغدر بالأوطان.. هيهات ما لم يُطرد الاحتلال الأميركي دون القمح المنهوب والنفط المسروق.. وما لم يُضبَط المهرَّب من النظامي في السوق!

هيهات أن تشرق شمسٌ مع الانفصاليين الخونة والإرهابيين والفاسدين، أو يكف عن البلاد شرٌّ وبلاء إلى يوم الدين.

(المركزي) يجمع غنائم الإشاعات ويقذف بالمواطن إلى المجهول، فهل من تدخّلٍ مسؤول؟!

في أواخر السنة المنقضية، نفى البنك المركزي السوري إفلاسه بالتزامن مع صعود سعر صرف الليرة السورية (الأسود) إلى ما فوق ستة آلاف ليرة سورية للدولار اللعين.

فأكد المصرف أن لديه من السيولة ما يكفي لدفع رواتب الموظفين لسنوات قادمة وليس فقط لشهور، إضافة إلى المخزون الكافي من القطع الأجنبي.

ويبدو أن (المركزي) قد كان في قمة السعادة لدى ردّه على إشاعات الغرب بخصوص دفع رواتب السوريين، فاقتنص تلك الفرصة ليختزل أزمة السوريين برواتب موظفيهم، فأعلن عن قدرته على دفعها لسنوات!

لقد تناسى (المركزي) ذكر أن الراتب السوري الآن، لا يكفي سوى يوم، أو يومين في الحد الأقصى، وبالتالي فكتلة رواتب السوريين ليست إلا (فرق تصريف عملة)، تحدث عملياته مع نهاية كل مساء.

أما مع كل صباح، فتتناقص القدرة الشرائية لحاملي الرواتب –وما يشابهها- نتيجة الارتفاع المجنون في الاسعار، رغم حديث (المركزي) عن توجيه ضربة للمضاربين من التجار، فهؤلاء يرتدون المواطن كدرع جبار. ولا بأس هنا من تذكير (المركزي) أن الأسعار –المرتفعة أصلاً- قد ارتفعت بعد تصريحات مسؤوليه بأيام معدودة في السنة المنصرمة بنسبة 30 إلى 40% للكثير من السلع، ووصلت تلك النسبة إلى ما يزيد على50% للكثير من السلع، في حالة تشبه الفلتان في السوق، دون رقيب.

وأخيراً نُذكِّر (المركزي) أنه توعّد عام 2019 من سمّاهم (ضعاف النفوس وتجار الدم والمضاربين) بأنه (سيتعامل بشكل جدي وحاسم معهم)، وذلك في ظل تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار –آنذاك- إلى حدود 580 ليرة سورية! فمن توعّد مَن أيها (المركزي)، ومن نفّذ تهديده؟! وماذا يهم المواطن في حالة انخفاض سعر صرف الدولار، ما دام هناك ارتفاع جنوني في كلّ الأسعار؟

أما هذا المواطن –يا أيها المسؤولون- فأين ستجدونه بعد الآن، إثر الحرب المزعومة بينكم وبين المضاربين؟

إعلام الغفلة والغافلين 

أما إعلامنا فيا حسرة! لا يدري بما تدري به القنوات، ولا يُدلي بما يُدلى به في الصفحات.. وآخر من يعلم بما جرى ويجري، فكأن رقابته صمّاء ضريرة، لم تسمع سوى بالجزيرة، ولا ما يحدث في وضح النهار أو يتم في عز الظهيرة، فـ (أورينت) المقيمة في (تكية دمشق)، ليست الأولى وقد لا تكون الأخيرة.. واسألوا عن ذلك فضائيتنا وبناتها، وأولهنَّ (سما) الخبيرة!

وختاماً فهذا الوطن لن يكون حمولة زائدة يا بعض الحكوميين!

العدد 1105 - 01/5/2024