السلام.. السلام على أرواحنا الضالعة في الغربة.. الطاعنة في الاغتراب

عباس حيروقة:

يحتفل العالم.. كل العالم، في أيامنا هذه، بأعياد الميلاد بحسب التقويم (الغريغوري واليوناني) الذي يصادف في الخامس والعشرين من شهر كانون الأول من كل عام، وهو يوم ولادة السيد المسيح عليه السلام.

في هذه الأيام تتزيّن_ كما نرى في معظم مدننا وقرانا كغيرنا من هذا العالم_ البيوت والشوارع والحارات، وتركّب أشجار الميلاد لتنار أو تضاء في معظم ساحات هذا العالم الكبير.

كل هذه الطقوس الاحتفائية والاحتفالية تدخل البهجة والسرور والفرح في النفوس ويتبادل الناس الهدايا والتحيات وبطاقات المعايدة والتهنئة.

وثمة شيء آخر ارتسم في المخيلة الجمعية لاسيما عند أطفال العالم، وهو شخصية بابا نويل التي، كما يتحدثون، تدخل إلى الحارات بثوبها الخاص المشهور الجميل على عربة تجرّها وعول البراري.. يقرع الأجراس ويدخل البيوت وعلى ظهره كيس معبأ بالهدايا يوزعها على الأطفال ويغني لهم ويراقصهم.

وأستثمر هذا المناسبة الهامة لأجدّد الدعوة إلى تأمّل حقيقتنا.. حقيقة هذا العالم.. حقيقة الخلق والخالق والمخلوق المهيب الذي هو الإنسان الذي خصّه الباري دون كل مخلوقاته بالعقل، وسخّر له كلّ مفردات خلقه لخدمته، في سبيل إنجاز رسالته الحضارية التي خصّه الله بها ألا وهي إعمار هذا العالم.. هذي الأرض بالخير، بالمحبة، بالسلام.

وإلى ضرورة أن نغور في أعماقنا وكنه أرواحنا التي فطرها وخلقها لأن تعيش وتحيا في سلام وبهاء وجمال.. وأن ننبذ ونوقف الحرب والدمار والخراب على هذه المعمورة.

علينا في هذه المناسبة أن نفتح نوافذ قلوبنا وأرواحنا للنور والحب والرحمة والسلام وللحقيقة، وأن ننتصر دائماً لها وللعدالة للعدل في وجه الشر والقبح والوهم والخرافة والحرب.

إذاً، علينا ألا نكتفي بإنارة الشوارع والحارات والساحات ونصب أشجار ترفل بالمصابيح، بل علينا أن نعمل على إنارة أنفسنا وأرواحنا وقلوبنا بأنوار المحبة والتسامح والسلام، وأن ننزع فتيل الموت والدمار من على هذه الأرض الجديرة بالحياة، وأن ننير أرواحنا وأنفسنا بشحنات وطاقات إيمانية بالحياة وبالوطن، وأن نشعل شمعة ونرتل قداس الحياة على قبر شهيد.

في هذه المناسبة أيضاً علينا أن نتذكر أولئك الشهداء الذين عبّدوا دروب الانتصارات، وزينوا ساحاتنا ومدارسنا وبيوتنا بصورهم كالسماء التي تتزين بأنجم من نور وضوء وبأقمار من حنين ورحمة ومحبة.

السلام السلام على سيد السلام والمحبة في يوم ميلاده، والسلام السلام على أرواح شهداء السلام والخير والحب، شهداء سوريّتنا.

السلام على أم الشهيد وهي تفتح معابر الماء تجاه تربة ابنها العابقة بالحياة لتنبت حقولاً وحدائق وعصافير.

 

العدد 1105 - 01/5/2024