استقلاليتهن بداية طريق نحو الحياة

إيناس ونوس:

لا تزال المرأة في منطقتنا تعاني من فرض المجتمع العديد من القيود على حياتها وإجبارها على الامتثال له استناداً إلى أفكارٍ باليةٍ ومنظومةٍ تربويةٍ وأخلاقيةٍ لا تتناسب مع ما وصل إليه إنسان اليوم، أحد هذه القيود رفضه فكرة استقلاليتها ورغبتها في العيش بمفردها بعيدة عن منزل العائلة الكبيرة، انطلاقاً من النظرة المجتمعية السائدة نحو المرأة على أنها معيار الشرف والأخلاق، وأنه لا يجوز لها أن تقدم على أي فعل لا يصون هذا المعيار، والنظر إلى الاستقلالية على أنها أول خطوة باتجاه الانحراف الأخلاقي والسلوكي، في حين أنه إذا نُظر إلى هذه المسألة باعتبارها إحدى أهم المسائل حساسية وشخصية بحتة لا يحق للآخر أيّاً يكن أن يتدخل بها، ولاسيما عندما تبلغ الفتاة أو المرأة من العمر والتجارب ما يجعلها متملّكة لذاتها وقادرة على إدارة شؤون حياتها بنفسها، وعند امتلاك الوعي بأن مفهوم الشرف والأخلاق أوسع بكثير ممّا يتم تضييقه، عندئذٍ يمكن لنا أن نرى أن مجتمعاً كهذا بدأ يسير في الطريق الصحيح، فكلنا نعلم أن المرأة الواعية والمتمكّنة من أدواتها وأفكارها والتي نشأت في أسرة تحترم الرأي والرأي الآخر، وترعرعت على مبادئ وقيم الإنسانية الحقّة، يمكنها أن تكون سيدة نفسها ولا تحتاج إلى رقيب أو رادع يمنعها من فعل ما تريد أو يقيّد عليها حياتها بحجّة أنه يخاف عليها.

فالمرأة المطلقة مثلاً الراغبة بالاستقلالية مع أطفالها، والطامحة لأن تربيهم وفقاً لقناعاتها ورؤاها دون تدخّل من هذا أو ذاك أو فرض سيطرة العم أو الخال، والقادرة على تحمّل كامل مسؤولياتها، لها كامل الحق في أن تستقل في بيت خاص بها وبأولادها.

والفتاة التي أجبرها المجتمع على الخنوع للقب (عانس)، تحديداً تلك التي تخرج للعمل أو الدراسة وتحقيق الذات والممتلكة لإرادة حرة وقوية تعرف ما لها وما عليها، يحق لها أن تتخذ مسكناً خاصاً بها بعيداً عن منزل العائلة، بدل أن تتحول مع مرور الأيام إلى خادمة لأفراد العائلة فقط لأنها لم تتزوج.

والأرملة التي استيقظت ذات صباح فوجدت نفسها وحيدة بعد وفاة زوجها، مسؤولة بغير إرادتها عن بيت وأطفال فجأةً، وعليها أن تحارب طواحين الحياة بمفردها إن لم تمتثل للآخرين، يحق لها أن تعيش وأطفالها كما تراه مناسباً في بيت يأويهم ويقيهم ذلّ الحاجة وتدخل الآخرين بهم.

بدأت نساؤنا مؤخّراً بتخطي مثل هذه القيود في مجتمعنا، واستطعن الوصول إلى نيل بعض حقوقهن على هذا الصعيد، سواء عن قناعة تامة أو بالإكراه، نتيجة الحرب الشعواء التي قتلت كل مقومات الحياة، وأجبرن المجتمع على قبولهن والامتثال لرغبتهن بالاستقلالية، إنما ليس بقناعة من أفراد المجتمع الذين ينظرون إلى المرأة فقط على أنها الكائن المسؤول عن الانحراف الأخلاقي وملوّث مفهوم الشرف، بل إن الواقع المعيشي الذي نحياه جميعاً حيث لم يعد أحد قادراً على مد يد العون للآخرين، يعتبر أحد الأسباب التي ساهمت في تغيير النظرة المجتمعية تجاه العديد من القضايا، وبالتالي وصول بعض النساء إلى لما طمحن إليه.

فلننطلق من هذا الواقع، ولنمنح النساء الفرصة لإثبات جدارتهن في الحياة، وأحقيتهن في الحصول على ما ناضلن من أجله، فنماذج عديدة منهن تؤكّد لنا جميعنا اليوم أنهن جديرات بأن يقدن مجتمعاً كاملاً نحو الشمس إن منحناهن الثقة بقدراتهن وأفكارهن ومبادئهن.

العدد 1104 - 24/4/2024