نحو مفهوم آخر للصمود

كتب رئيس التحرير:

منذ بداية المواجهة مع الغزو الإرهابي لبلادنا والحصار الاقتصادي للقطاعات المنتجة في اقتصادنا الوطني، ومع التخريب والهدم الممنهج لمصادر الدخل الرئيسية للدولة السورية، كان السبيل الوحيد للحفاظ على سيادة سورية ووحدتها أرضاً وشعباً هو الصمود، وهذا ما طرحته القيادة السياسية للبلاد، وهذا ما سارعت إلى تأييده، والتأكيد على أهميته، جميع القوى السياسية الوطنية والتقدمية، وبضمنها حزبنا الشيوعي السوري الموحد، ووضعت هذه القوى رؤيتها واقتراحاتها الجديدة لتصليب الصمود السوري وتأمين مستلزماته السياسية والاقتصادية والمعيشية، كي يتحول من شعار وطني جامع، إلى فعل يومي مقاوم يستند إلى مقومات تساعده على الاستمرار والمضي إلى تحقيق الغاية الأساسية لهذا الصمود، وهي طرد الغزاة الإرهابيين، واستعادة كل شبر من الأرض السورية.

لقد أدت التضحيات التي قدمها الشعب السوري وجيشه الباسل خلال عشر سنوات صعبة.. مريرة، مليئة بالأسى والفقدان والهجرة القسرية والتقشف الاضطراري الذي وصل إلى درجة الفقر والفقر المدقع، هذه التضحيات أدّت إلى دحر الإرهابيين واستعادة معظم الأرض السورية، وعودة الاستقرار النسبي والأمان إلى المناطق المحرّرة، وهذا ما دفع السوريين إلى التفاؤل بقرب حل أزمتهم الكارثية، وتحقيق السيادة الفعلية، وعودة النسيج الاجتماعي والديني والاثني إلى التآلف بعد سنوات كان فيها هو المستهدف الأبرز.

السوريون، وبخاصة فئاتهم الفقيرة والمتوسطة، لم يقصروا يوماً واحداً خلال سنوات الجمر في التضحية بأغلى ما يملكون لدعم صمود بلادهم، فقد خسروا الآباء والأبناء والإخوة، وذهبت ممتلكاتهم ومصادر زرقهم نهباً وحرقاً بأيدي الإرهابيين، وباتوا بعد سنوات عشر يبحثون عن لقمة.. وعن قليلٍ من الدفء، وبضع حبات من دواء. كان تفاؤلهم بقرب الفرج يدفعهم إلى الصبر واستمرار الصمود، لكنهم، بعد عقد من مأساتهم، يطرحون تساؤلات مشروعة، لم تستطع الحكومات المتعاقبة منذ بداية الأزمة، الإجابة عنها، وأول هذه الأسئلة هو: ألا يحتاج صمود الشعب إلى مستلزمات ووسائل كي نضمن استمراره؟

لقد بات واضحاً لدى الجميع أن الحكومات سقطت في امتحان تأمين مستلزمات صمود الشعب السوري، وكنا نتمنى أن تنجح في تخفيف الأعباء المعيشية عن كاهل شعبنا، بل ساد اعتقاد لدى الكثيرين بأن المنتفعين من استمرار الأزمة ومن ازدياد معاناة المواطنين السوريين، كانوا هم الفائزين فعلاً! مما يتطلب اليوم أكثر من أي وقت مضى، النظر إلى مفهوم الصمود استناداً إلى الجدية في تهيئة مقوّمات استمراره، وإلى الإخلاص في التخلص من عوائقه، كي لا يتحول إلى شعار دونكيشوتي لا يسمن ولا يغني!

العالم اليوم يقف على مصلّبة التحول باتجاهات متباينة، بل متناقضة، فالإمبريالية الأمريكية تدافع عن وجودها كمتحكم في السياسة والاقتصاد العالميين، يساندها حلف عسكري أوربي، يغامر بالتسبب في اندلاع حرب عالمية، وفي الجانب الآخر دول وشعوب تطمح إلى عالم متعدد الأقطاب، يضمن الاستقرار والأمن والتطور المستقل لكل دولة، وهذا ما يستدعي إعادة النظر في الأساليب والأدوات المؤدية إلى إنهاء الأزمة السورية.. وبالطرق السياسية، دون المساس بالثوابت الوطنية المتمثلة بالسيادة ووحدة الأرض والشعب، فالتعويل على توافق الدول المتداخلة بأزمتنا الكارثية أصبح شبه مستحيل، والرضوخ لهدف الأمريكيين وحلفائهم الساعي إلى (تأبيد) الأزمة السورية، يعني انتحاراً علنياً، ويبقى الأمل حسب اعتقادنا هو العامل السوري.. الفعل السوري، المنسجم مع مجريات التحول العالمي من جهة، وعلى الاستنتاجات الواقعية.. الصادقة من إيجابيات مسيرة الصمود السوري وسلبياتها، ومتطلباته من جهة ثانية. وبكلمة أخرى واستناداً لما سبقه، فإن علينا التعويل على تفعيل الدور السوري، وهو العامل الأبرز في الجهود الدولية السلمية لإنهاء الأزمة السورية، والأداة الرئيسية في التعامل مع وسائل أخرى، إذا ما أخفقت تلك الجهود، وهذا ما يستدعي من القيادة السياسية للبلاد، حسب اعتقادنا نحن في الحزب الشيوعي السوري الموحد، توحيد كلمة السوريين عن طريق مؤتمر حوار وطني سوري- سوري شامل يضم جميع القوى السياسية والاجتماعية والإثنية، للتوافق على كيفية إنهاء أزمتنا الوطنية، وتحقيق طموحات شعبنا السياسية والديمقراطية، والتخفيف من معاناة جماهيرنا المعيشية التي وصلت إلى مستويات الجوع والعوز، واسترداد ثرواتنا الوطنية، ثم وضع الإطار العريض للمستقبل السوري الذي يضع سورية في مكانها اللائق كدرّة للشرق بأكمله.

الصمود السوري اليوم يعني توحيد الكلمة السورية، وتلبية مصالح الفئات الفقيرة والمتوسطة التي باتت تشكل أكثرية السوريين، والتي تعد بجميع المقاييس العامل الحاسم في مقاومة الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي وضمان السيادة ووحدة الأرض والشعب.

العدد 1105 - 01/5/2024