الأميّة مقبرة مستقبل السّوريّين

نور سليمان:

اليومُ الدّوليّ لمحو الأميّة لا يزالُ رقماً إلى الآن، ويوماً يمرُّ مرورَ الكرام، في أكثر البلاد فقراً بالعلم وجهلاً بأهميّتهِ، ذلك أنّ هذه القضية هي عنصر جوهريّ في أهدافِ الأمم المتحدة للتّنمية المستدامة، فالقراءة هي حقّ من حقوق الإنسان وركيزة عملية التعلّم مدى الحياة. فهي تزوّد الأفراد والأُسر والمجتمعات بما يلزمهم من قدرات وطاقات وتحسّن نوعية حياتهم. وتسهم بفضل الأثر المضاعف المترتّب عليها في القضاء على الفقر، وخفض معدلات وفيات الأطفال، والحدّ من النمو السكاني، وتحقيق المساواة بين الجنسين والتّنمية المستدامة والسّلام والديمقراطيّة. تتصدّر اليونيسكو الجهود العالميّة المبذولة في سبيل محو الأميّة، وذلك منذ إنشائها عام 1946 فهي تتّبع سياسة تقضي بدعم التّدابير الرامية إلى تعزيز البيئات التّعليميّة بوصفها جزءاً لا يتجزّأ من مفهوم التعلّم مدى الحياة، وبالحفاظ على المكانة البارزة التي يحظى بها موضوع محو الأمية في إطار جداول الأعمال الوطنية والدّوليّة. وتتعاون اليونسكو مع مختلف البلدان والشركاء من أجل تحقيق الرؤية المتمثّلة في بناء عالم متعلّم للجميع وتستند في ذلك إلى برامجها العالمية لمحو الأمية وأنشطتها الترويجية وقاعدة المعارف الخاصة بها.

يحتفِي العالمُ كلّ عامٍ باليوم الدّوليّ لمحو الأميّة في 8 أيلول (سبتمبر)، ويُعدّ فرصةً للحكوماتِ ومنظّمات المجتمعِ المدنيّ وأصحاب المصلحة لإبراز التّحسينات التي طرأت على معدّلات الإلمام بالقراءة والكتابة، وللتّفكير في بقيّة تحديات محو الأميّة الماثلة أمام العالم. وجاءت فكرة هذه المناسبة الدولية نتاج فعّاليات المؤتمر العالمي لوزراء التربية الذي عقد بشأن محو الأمية في العاصمة الإيرانية طهران يومي 18 و19 أيلول (سبتمبر) 1965 وتوصّل التقرير الختامي للمؤتمر إلى: (ضرورة تغيير السّياسات الوطنيّة التّعليميّة لتحقيق التّنمية في العالم الحديث، واستقلال عدد كبير من البلدان، والحاجة إلى تحرّر الشّعوب تحرّراً حقيقيّاً، ولضمانِ المشاركة الفاعلة والمنتجة في الجوانب السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة للمجتمع (الإنسان)، خصوصاً في ظلّ وجودِ مئات ملايين البالغين من الأمّيّين في العالم.”وينبغي أن تُتيح النّظم التّعليميّة التّدريب التّعليمي لتلبية حاجات الأجيال الشّابة التي لم تدخل معترك الحياة بعد، وأجيال البالغين التي لم تستفدْ من الحدّ الأدنى الأساسيّ من التّعليم الابتدائي، كما ينبغي أن تشتملَ خطط التّعليم الوطنيّة مفاهيم التّعليم للأطفال وتدريب محو الأميّة للبالغين بوصفهما عنصرين متوازيين. أشارت بيانات منظمة اليونسكو أنّ نحو 17% من سكان العالم البالغين (15سنة فأكثر) ما زالوا لا يعرفون القراءة والكتابة، وأن نحو 127 مليون شاب في الفئة العمرية (18- 29 عاماً) على مستوى العالم لا يستطيعون القراءة والكتابة، من بينهم 60.7% من الفتيات، بينما هناك نحو 67.4 مليون طفل لم يلتحقوا بالمدارس، ممّا يزيد من مشكلة رؤية مستقبل خالٍ من الأميّة. يعيش معظم الأمّيّين البالغين (15 سنة فأكثر) في جنوب وغرب آسيا وأفريقيا جنوب الصّحراء، أي أنّ نحو 781 مليون شخص في جميع أنحاء العالم لا يستطيعون القراءة والكتابة، منهم 64% من الإناث. وانخفض معدل الأميّة في مصر (للأفراد 10 سنوات فأكثر) من 49.9% عام 1986 إلى 25,8% عام 2017، بمقدار 24.1%. أمّا عن سورية فالواقع لا يدعو للتّفاؤلِ، بل ويهدّدُ بمستقبلٍ خطيرٍ، فالحرب التي عاثَت فساداً وخراباً كانَ لها الأثر الأسوأ على التّعليم وعودة محو الأميّة ليتصدّر أكثر الأمورِ ألماً، خاصّة لسكّانِ المناطق التي تعرّضت للدّمار، وللتّهجير واللّجوءِ، فبعد أن كانت سورية تستعدّ لإعلانِها خاليةً من الأميّة بشكلٍ شبهِ كامل قبل الحرب، باتت اليوم تعاني من هذه المشكلة بشكل كبير رغم عدم وجود إحصاءات رسميّة واضحة بأعداد الأمّيّين في البلاد، وحتى المحافظات التي تمّ إعلانها خاليةً من الأميّة لم تسلمْ من هذا الأذى، بالتّزامنِ مع امتداد الفترة الزمنيّة للمعارك وتسرّب الأطفال من المدارس، فهذهِ الحالات الكبيرة التي حدثت وتحدث إلى الآن، تعودُ لاضطرار الكثير من الأطفال للتّوجه نحو سوق العمل نتيجة الظّروف المعيشيّة الصّعبة التي خلّفتها الحرب، فالكثير من العائلات فقدت معيلها أو سكنها وعانت من النّزوح المستمر، والتّعرّض للعنف، وتزايد الفقر والحرمان المستمر من الوصول إلى الخدمات والاحتياجات الأساسية إلى التّأثير على حياة الأطفال بشكل كبير. فهناك 6 ملايين طفل دون سن 18 عاماً بحاجة إلى المساعدة الإنسانيّة في عام 2021، وذلك مقابل 4.8 ملايين طفل بحسب خطّة الاستجابة الإنسانية لعام 2020. ويعاني نحو 91,811 طفلاً دون سن الخامسة من سوء التّغذية الحاد، مع وجود 146,898 طفلاً معرّضين بشكل كبير لنقص التغذية إذا استمرت الأزمة. وبسبب العنف، فإنّ واحدة من كل ثلاث مدارس إمّا تضرّرت أو دمّرت أو استخدمت كملاجئ جماعية للنّازحين داخلياً. وفي هذا السياق، لا يزال هناك 2.1 مليون طفل خارج المدراس و1.3 مليون طفل عرضة لخطر التسرّب. تشيرُ إحصائيّات تعليم الأطفال إلى كوارث تعليميّة ستظهر نتائجها في المستقبل القريب على سورية والمنطقة بأكملها، فهناك ملايين الأطفال السوريين من دون تعليم في سورية ودول الجوار، ذلك أنّه بسبب الوضع المعيشي المتدهور للاجئات واللاجئين، امتنعت أعداد كبيرة من الأسر السّورية عن إرسال أبنائها للمدرسة، فالطفل ما إن يصل لسنّ العاشرة حتى تبدأ رحلة العمل لمساعدة الأهل في تأمين معيشتهم. وحسب هيومن رايتس ووتش، يوجد 1.5 مليون طفل سوري في سن المدرسة في تركيا والأردن ولبنان، ولكن نصفهم تقريباً لا يحصلون على تعليم رسمي. فقد اتخذت الدّول المضيفة خطوات كبيرة لتحسين التحاق الأطفال بالتّعليم، مثل توفير التّعليم الحكومي المجاني وفتح (فترات مسائيّة) استجابة لحاجات عدد أكبر من الأطفال، ولكن ما زالت توجد عوائق تمنع هؤلاء الأطفال من التعلّم، منها: عمل الأطفال وشروط التّسجيل بالمدارس، وصعوبات اللّغة، وعدم توفر خدمات نقل بأسعار مناسبة. كما يواجه الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصّة أو الذين هم في سنّ المدرسة الثانويّة صعوبات من نوع خاصّ. قانون إلزاميّة التّعليم صيغة تعليميّة تهدف إلى تزويد كل طفل ـمهما تفاوتت ظروفه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بالحدِّ الأدنى الضّروري من المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم التي تمكّنه من تلبية حاجاته وتحقيق ذاته وتهيئته للإسهام في تنميةِ مجتمعه، وتذكر المنظمة العالمية لرعاية الطفولة (اليونيسيف) أنّ التّعليم الأساسيّ هو التّعليم المطلوب للمشاركة في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسّياسية، وأن يشمله محو الأميّة الوظيفيّة التي تجمع مهارات القراءة والكتابة والحساب مع المعارف، والمهارات اللازمة للنّشاط الإنتاجي وتخطيط الأسرة وتنظيمها، والعناية بالصّحة والنّظافة الشخصية ورعاية الأطفال والتّغذية والخبرات اللازمة في أمورِ المجتمع. لكن للأسف جميعُ هذهِ الصيغ تفشلُ يوماً بعدَ يوم في ظلّ الوضعِ الرّاهن وسيطرةِ التّعليمِ التّقليديّ، والاقتصادِ المتردّي.

العدد 1107 - 22/5/2024