التسلط وأهدافه

يونس صالح:

إن هدف التسلط هو الإمساك بالسلطة والتحكم بمصير المجتمع، لذلك فإن ثقافته اتخذت مفردات محددة في مضمونها، إلا أن ترتيبها يتباين بين فترة وأخرى على السلم الثقافي تبعاً للمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وانطلاقاً من ذلك يمكن استخلاص عدد من المركبات الثقافية، ذلك أن المركب الثقافي هو مجموعة من العناصر الثقافية المتكاملة أو هو بناء من العناصر التي تنتظم حول موضوع معين داخل ثقافة عامة أو ثقافة فرعية، وتعطي هذه المركبات صورة عن طرائق التسلط وأساليبه في التفكير والعمل والتنفيذ.

ويتكشف لنا لدى التحليل أن تلك المركبات تتمثل في منظومات عدة أهمها عشر منظومات:

  • نزعة الهيمنة: إن الاستنارة الفكرية تفرض أن تتوافر السلطة للإنسان دون أن تتحول إلى تسلط وهيمنة، فالسلطة الديمقراطية مثلاً لا تفرض على الإنسان تسلطاً، ذلك أن السلطة تنظيم إنساني يفترض أن يوفر الحريات للمجتمعات والشعوب، ويشيع العدالة، لا أن يمارس من خلالها القمع والتحكم، لهذا فإن المعادلة الإنسانية المتوازنة هي التي تضم في أحد طرفيها الإنسان وفي الطرف الآخر الدولة التي تمتلك السلطة والتي تخضع لضوابط عرفية وقانونية، وهكذا فإذا كانت السلطة تملك حقاً شرعياً في إصدار القرارات المقبولة، فإن التسلط يشكل خروجاً على ممارسة السلطة، أن التسلط هو سوء استخدام السلطة لأنه يفرض الخضوع على الناس بقوة غير مستمدة من إرادة المجتمع.
  • التوريط في الأعمال: يدفع التسلط قطاعات واسعة من الأفراد لتسويغ الاشتراك معه في أفعال أو أدوار أو تورطهم في أفعال يجدون أنفسهم مدفوعين إلى تنفيذ ما يراد منهم دون مناقشة. وتتنوع أشكال التوريط من خلال الإقحام في قضايا مستعصية وأفعال قد لا يرفضونها من الناحية الأخلاقية أو قد لا يجدون لها تبريرات مقبولة.
  • التعلق بالطقوس: إذا كانت الديانات الوثنية قد افتعلت طقوساً يقصد أن تكون رموزاً للتأثير في الناس، فإن التسلط يفتعل شكليات رمزية لإضفاء الهيبة من حوله، وتضليل الناس بها مثل طقوس تقديم الطاعة للمسؤول الأكبر، وفرض امتثال الصحف لطقوس كتابة العناوين، وصياغة المقالات والأخبار، وغيرها الكثير، الأمر الذي يعطل فرص الإبداع وحرية التفكير.
  • الحرمان النسبي: نتيجة إيغال التسلط في منح الصلاحيات والرتب والأموال والأدوار لعدد من الموالين وفي حجزها عن الآخرين، يسود شعور بالحرمان النسبي في أوساط المجتمع، إذ إن المواطنين يرون أنفسهم محرومين نسبة إلى تلك الفئة التي تتوافر لها المزايا والامتيازات النفوذ.
  • المشاكسة: تمتزج ثقافة التسلط بكثير من العناصر الثقافية غير المرغوب فيها، بحيث تشكل مركباً ثقافياً في المشاكسة من بين عناصره: الميل إلى الخصومة، وبث الشقاق، والتهديد، والإسفاف، والشتم والسباب، والمشاجرة، وتدخل التعميمات والتسميات في عداد المشاكسة، حيث يتردد إطلاق النعوت الذميمة على الخصوم، من الشخصيات أو الدول، ويقابل ذلك إطلاق تسميات مرغوب فيها على مواقف مفتعلة حتى لو وصفت الهزائم بأنها انتصارات.
  • مواجهة الآخر: يتمثل منظور التسلط في اعتبار كل قوة خطراً من الأخطار، ويرد التسلط بتجسيد تلك الأخطار أو افتعالها تخويف الموالين ووضعهم تحت طائلة التحسب الدائم في مواجهة الآخر، من خلال إظهار الآخر خصماً أو عدواً، ويقوم التسلط من جانب آخر بحجب حرية التعبير عن أي من الفئات الفكرية والسياسية وتضييقها.
  • فرض الجمود الثقافي: يكشف تحليل مسيرة الثقافة أن التسلط كان أكثر تمسكاً بأنماط التفكير التقليدية، إذ إنه عاجز عن تجاوز ذلك النمط من التفكير، وهو أعجز عن مواكبة الارتقاء، لأنه في طبيعته أكثر كراهية للتجديد. وتظل حركة الثقافة في ظله تميل إلى الانحدار، ويقود كل ذلك إلى جمود اجتماعي، يظهر في عزوف المجتمع عن التعرض للمصادر الثقافية في الداخل وكيل المديح المباشر له.
  • الولاء: يقوم التسلط بإحلال الموالين في المسؤوليات والوظائف دون مراعاة الكفاءة والاختصاص، ويشمل ذلك جميع المواقع ابتداء بالوزراء وانتهاء بالنواب، بمن في ذلك الأستاذ الجامعي وأعضاء المجمع العلمي، ويقود كل ذلك إلى فساد الجهاز الإداري وتردي عطائه وعجز المؤسسات المختلفة، بما فيها الجامعات ومراكز البحوث والمعاهد والمدارس عن أداء وظائفها في المجتمع، ويقود ذلك إلى تفاقم الامتعاض بين صفوف المجتمع، ويشكل سبباً في استمرار هجرة العقول إلى الخارج.
  • التبرير: يعمل التسلط على اختلاق مبررات لمواقفه المختلفة، لكن أغلب تبريراته لا تعتمد على الأساليب الصحيحة، ولا تقوم على أدلة، ولا تستند إلى حقائق، حيث تظهر فيها الشعارات والانفعالات والتسويفات وغيرها.

وهكذا فإن هذه المركبات الثقافية وما تشتمل عليه تسبب في تدهور الأوضاع، وتخريب القيم وظهور أنماط سلوكية عقيمة، وتؤدي إلى معاناة قاسية للجماهير الشعبية.

 

العدد 1105 - 01/5/2024