كان زمان!

محمود هلال:

نعيش اليوم تحت وطأة حالة اقتصادية ضاغطة، وأصبحنا نتطلع إلى الماضي أكثر مما نتفاءل بالمستقبل، والسؤال: هل هذا تأكيد على فشل الحاضر الذي نعيشه؟ أم نتيجة العجز عن ابتداع الحلول للخروج مما نحن فيه؟

كانت دمشق تصنف في خمسينيات القرن الماضي من أولى العواصم، وتعدّ من أرخص عواصم العالم للمعيشة، لكن حسب الخبراء ودراسات المهتمين بالشأن الاقتصادي ومعطياتهم (إن أخفض أجور في العالم هي في سورية). لذا يمكن اعتبار المعيشة في سورية رخيصة مقارنة مع دول الجوار وليس بمستوى دخل الفرد فيها.

لقد أصبحت الهوة كبيرة جداً بين الرواتب والأجور والأسعار، كما أن الزيادات التي طرأت على رواتب الموظفين والمتقاعدين ابتلعها التجار قبل أن يستلمها أصحابها، فضلاً عن القسم الكبير الذي يقتطع منها ضريبة دخل وتأمينات ورسوم نقابية وغيرها!!

كل ذلك يدفعنا للتساؤل: كيف لهؤلاء أصحاب الدخل المحدود، في ظل موجة الغلاء وهبّة الأسعار التصاعدية التي نشهدها اليوم، أن يتدبروا أمورهم المعيشية والحياتية براتب لا يتجاوز المئة وخمسين ألفاً، في الوقت الذي أصبحت فيه أصغر أسرة تحتاج إلى أضعاف هذا الرقم حتى تستطيع أن تكمل الشهر؟ قد يقول قائل: لا أحد يعيش على راتب واحد فقط، فمعظم العاملين بأجر يعملون عملاً ثانياً. ونقول: هذا صحيح، ولكن هؤلاء يعملون لا (فرفشة) ولا ترفاً أو حباً بجمع الأموال أو لتكديسها أو إيداعها في المصارف، بل يعملون مرغمين على ذلك ليوازنوا بين دخولهم ومتطلبات الحياة الصعبة. يعملون على حساب صحتهم، وعلى حساب راحتهم، يعملون على حساب الجلوس مع أسرهم وأبنائهم، وعلى حساب القيام بواجباتهم الثقافية كالذهاب إلى السينما والمسرح ومشاهدة التلفزيون وقراءة الصحف والكتب وغيرها، وعلى حساب القيام بواجباتهم الاجتماعية بزيارة الأهل والأصدقاء ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، يعملون لكيلا يتحولوا إلى لصوص ومرتشين وفاسدين في وظائفهم، ولكي يبقوا شرفاء محافظين على كراماتهم في نهاية العمر، ولكيلا يمدّوا أيديهم لأحد أو يتحولوا إلى شحّاذين في الطرقات وعلى أبواب الجوامع والكنائس وأمام الفنادق والمطاعم وأمام الأماكن التي يرتادها أصحاب الثروة والنعمة.

وهناك الكثير من أصحاب الدخل المحدود يبدؤون بالاستدانة والاستلاف على الراتب من بداية الشهر، والسؤال: ماذا يفعل هؤلاء بأنفسهم إذا لم يكن عندهم عمل ثانٍ خارج أوقات الدوام الرسمي؟ هل يفتحون أفواههم للهواء وينتظرون؟

(أيام زمان).. كان الراتب في سبعينيات القرن الماضي لحملة الشهادة الجامعية 375 ليرة سورية، وللثانوية 210 ليرات سورية، وللإعدادية 180 ليرة سورية، وكان هذا الراتب يكفي العامل ويزيد، ويستطيع أن يدخر منه لشراء بيت أو سيارة وكل ما يحتاج إليه، أما الآن مع تآكل القوة الشرائية للرواتب والأجور، فلو فكّر العامل بذلك فلن يكفيه ادخار كامل راتبه لعقود.

يمكن القول إن الموظفين وغير الموظفين اليوم محاصرون بلقمة عيشهم ويضيق الخناق عليهم أكثر فأكثر، ويكفي هؤلاء ما هم فيه من فقر وجوع وشقاء! وينتظرون من الحكومة أن تعمل على كبح ارتفاع الأسعار وضبط الأسواق، وتحمي المواطنين من جشع التجار والفاسدين وتجار الأزمات، وتعطي زيادة حقيقية توازن بين الأسعار والرواتب والأجور وتؤمّن حياة كريمة للناس!

 

العدد 1104 - 24/4/2024