لا أفق حكومياً للقادم سوى الخطاب ذاته

 سليمان أمين:

يوماً بعد يوم تتفاقم مأساة السوريين الذين رفضوا الهجرة خارج وطنهم الأم، حاملين في قلوبهم أمل التغيير والمعالجة لحالهم المعيشي الكارثي الذي أوصلتهم إليه الحكومة بعملها الدؤوب في القضاء على الإنتاج، وعملها أيضاً على الاستيراد وإغراق البلد ومواطنيه وإرهاقهم بالمنتجات الخارجية مستجيبة لرغبة مجموعة من التجار همّهم الوحيد التجارة بكل شيء والتحكّم بالأسعار والسيطرة على السوق كما يشاؤون، لتضخيم ثرواتهم وتحقيق مصالحهم الشخصية على حساب الوطن ومواطنيه، سنوات مرت ولم نرَ أي جدوى لتصريحات الحكومات المتتالية وأعمالها سوى المزيد من الكارثة وتدني المستوى المعيشي وتضخم وحش الفقر في المجتمع، وزادت معه كل أشكال الجريمة والسرقة والدعارة وغيرها من الانحدار الاجتماعي والأخلاقي، الذي بات أخطبوطاً يكاد يبتلع الجميع دون هوادة أو رحمة.

أكثر ما يثير الاستغراب هو نوعية الخطاب والتصريح الحكومي الكهل غير المجدي، الذي أكل عليه الزمن وشرب، والذي لا يتطابق مع الواقع المعيش في البلد ولا مع القرارات التي تصدر دون أن تطبق كما صدرت، كحال وزارة الكهرباء التي تتحفنا بتصريحات مسؤوليها الخارجة عن واقع المنظومة الكهربائية وآلية التقنين الأكثر من سيئة. ولا يختلف حالها عن حال وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التي لا سلطة لها على الأسواق، بل بالعكس باتت حملاً ثقيلاً على الشعب والدولة بقرارات مسؤوليها الارتجالية عبر الفيس بوك وجامعي الأتاوات من موظفيها الذين تندبهم لرقابة الأسواق وهم بحاجة لمن يراقب ما يفعلون بصغار التجار وبالأسواق، ولا ينتهي الوضع هنا فاليوم بتنا لا نرى أي فعل إيجابي لوزارات الإنتاج (الزراعة والصناعة)، مما كان له الأثر الأكبر بتفاقم الوضع الكارثي للوطن السوري. ولا يختلف وضع وزارة النفط فهي كباقي أخواتها تعلق أسباب ما يحصل على شماعة الحرب والحصار الاقتصادي، وهذا يدل على مدى الكارثة الكبرى التي حلت بنا وتتفاقم كالهشيم في النار دون أي تفكير بتغيير ولو بسيط بمنهجية الإصلاح الإداري لمؤسساتنا الحكومية.

ولا يتوقف الانعكاس السلبي للأداء الحكومي فقط على الواقع الخدمي، بل كان له التأثير المدمر للجيل الحالي بغياب المعايير التربوية والأخلاقية والأسرية والتنموية للمجتمع، التي يجب أن تكون الشغل الشاغل لوزارات الإعلام والتربية والتعليم والثقافة التي يبدو أنها نسيت دورها الحقيقي وعلقت غياب دورها الحقيقي ورقابتها على الأزمة والحرب محافظةً على خطبها التي لا تجدي نفعاً في زمن العولمة التي شوهت المجتمع والجيل وخربت الذوق العام، والأمثلة كثيرة بدءاً من المدرسة، إلى الحفلات المشوّهة المليئة بالكلام القذر والمستوى المتدنّي أخلاقياً، إلى الندوات الثقافية والبرامج التلفزيونية والدراما وغيرها الكثير والكثير من الأمثلة الواقعية الواضحة والجلية التي عملت على تخريب البنية الذوقية والقيم الإنسانية للمجتمع، وهذا أكثر ما يوجع اليوم جيلاً غير مدرك ما يفعل.

ختاماً

مرت سنوات طويلة والسوريون يترقبون ولو تغييراً بسيطاً يحدث في أداء مؤسساتهم الحكومية ينقذهم من الطين الموحل الذي غمرهم بسبب العقلية والمنهجية العقيمة التي لم تغير ساكناً ولن تغير، فهي ما زالت تحاكي الأطلال وتبكيها منذ عشرات السنوات دون أي جدوى، فالخطاب ومفرداته ذاتها وكذلك الآلية المتبعة ذاتها، وهي أدت إلى تعاظم وتسلط الفساد الذي ابتلع كل شيء حتى شعاع الأمل الذي كان ينظر إليه المواطنون آملين أن يتحقق لينقذهم من جلادي الفساد الذين ينهشون وينهشون كل شيء حتى لحوم ودماء الشعب الكادح، اليوم لم يعد لدينا أمل سوى بالتغيير وإعادة هيكلة إدارية كاملة للمؤسسات الحكومية، ووضع روادع قانونية قاسية ومتشددة على كل موظف ومسؤول في أي مؤسسة، اليوم بتنا بلا كهرباء ولا ماء ولا حتى هواء نظيف نتنفسه، هذا حالنا مع حكومة ليس لديها أفق تفعله سوى كثرة الكلام، وما نفع الكلام في غياب العمل والفعل؟!

العدد 1105 - 01/5/2024