الشعراء من قصر هارون الرشيد إلى قصر المحافظ.. مسابقة أبي الفداء أنموذجاً

عبّاس حيروقة:

بداية لا بدّ من أن أشير إلى أن ما سأورده هنا في مادتي هذه ليس الهدف منه التقليل من شأن أحد أو نقد أشخاص بعينهم، بل الهدف نقد الحالة وتوصيفها لعلّنا نستطيع في القادمات من الأيام إعادة ورقة التّين التي سقطت وإخفاء ما يمكن من عورات وقبح.

مسابقة أبي الفداء الشعرية من المسابقات التي كانت تشغل بال الشعراء في سوريّتنا ويتسابقون للفوز بجوائزها ويحظون بالتكريم، إلا أنّه في سنوات ما ولأسباب لسنا في وارد ذكرها توقفت كغيرها من المسابقات الأدبية الكثيرة التي كان يضج بها مشهدنا الثُقافي، وفي زيارة يتيمة لنا كهيئة فرع حماة لاتحاد الكتاب العرب للسّيد محافظ حماة طرحت – شخصياً – موضوع إعادة إطلاق مسابقة أبي الفداء الشّعرية من جديد بالتعاون بيننا كفرع اتحاد الكتاب العرب وبين مجلس المحافظة.

ووافق حينذاك مشكوراً وبكل حيوية طالباً منّا كجهة معنية إعداد ما يلزم لتكون مسابقة تليق بحماة وتاريخها العريق.. وفعلاً قدّمنا التّصورات الأولية والاقتراحات اللازمة وتمت الموافقة وقمنا بالإعلان عنها كما يجب.. وانتهى دورنا هنا.. ولم نُستشر بعدها بأي خطوة.

لن ندخل أيضاً في كل هذا وذاك ولكن ما يمكن أن أتحدث به هنا هو تلك الآلية التي تم بها التّكريم وقراءة النّصوص الثّلاثة الفائزة..

وقبل البدء في الحديث لابد من القول : إن قيمة المسابقة وسويّة النّصوص الفائزة يمكن أن تعكسها سويّة اللجنة المحكّمة وملَكات وطاقات أعضائها الإبداعية شعرياً ونقدياً، ولا بد أيضاً بل من البداهة أن نشير إلى أنّه ليس بالضُرورة كل أستاذ جامعة يدرّس في كلية الآداب يملك مؤهّلات محكّم في مسابقة شعرية وليس أيضاً كل من يكتب الشّعر يمكنه أن يكون محكّماً في المسابقة، فالتّحكيم في المسابقة الشّعرية مسؤولية كبيرة ومن البداهة ايضاً ان يكون المحكّم شاعراً مبدعاً فذاً يمتلك أدواته الشّعرية بحيوية وألق ويتمتع بحس نقدي شفيف يعي مذاهب الشّعر وألوانه (عمود – تفعيلة – نثر) والشعرية وفنيتها …الخ.

وبالعودة إلى الحديث عن الآلية التي جرى بموجبها التكريم في هذه المسابقة والتي تكررت للمرة الثانية أو الثالثة ربما.. آلية فيها ما فيها من قلة احترام للشّعر والشّعراء، إذ دُعي الشّعراء المشاركون وحسب، وجرى إعلان النتائج، ثم قراءة القصائد الفائزة من قبل أصحابها وقوفاً أمام الجهات المسؤولة فقط لاغير!!

السّؤال الذي يطرح نفسه هنا: ألم يشعر الشّاعر وهو يقدم قصيدته بشيء من الحياء وعدم الاحترام له وللشّعر!؟

والسّؤال الأكثر أهمية: أليس من البداهة إعلان النتائج وسط احتفال ثقافي جماهيري مهيب يليق بالشّعر والشّعراء والمدينة!؟

أليس من الطبيعي أن يكون مكان الاحتفال في مديرية الثّقافة أو اتحاد الكتاب العرب وبحضور شعراء المحافظة ومثقّفيها!؟

ما حصل محزن وبائس ويعكس وعياً خاصاً لثقافة خاصة، ما حدث يعيدنا إلى ما كان سائداً في زمن الخلافة.. زمن الملوك والأمراء.. زمن وقوف الشّاعر المتكسّب على باب الخليفة وبكل ما تعنيه من كلمة.

من يعيد الشّعر والشّعراء إلى دارهم.. بيتهم الكبير الكبير.. دار الثّقافة ومنابرها الحقة؟

العدد 1105 - 01/5/2024