مخابر (فيروسات الفساد) البنفسجية.. هل تحول الصراع الطبقي إلى صراع الألوان؟!

د. سلمان صبيحة:

تحت شعار: الفساد (نشأة مشبوهة وتاريخ أسود)، يقال إنه في مكان ما من العالم اكتُشف العديد من المختبرات ومراكز الأبحاث التي تُعنى بعلوم (الفساد) وبإيجاد المصطلحات وتأليف الشائعات لإطلاقها كما الفيروسات في المجتمعات وفق خطط وبرامج محددة، وسرعان ما تنتشر هذه المصطلحات ويرددها الناس دون معرفة أهدافها وأبعادها أو خلفياتها، وكنوعٍ من مواكبة التطورات الثقافية والحداثة، وبتنا نسمع في حياتنا اليومية بعض المصطلحات الجديدة التي يجري تداولها بشكلٍ لافت واعتيادي على غرار كلمة (التنمّر) حديثة العهد التي يردّدها الكبار والصغار حالياً، وظهور صفات أو ألقاب على (الموضة) لهذا الشخص أو ذاك مثل: (برجوازي، أو رأسمالي، أو هذا أحمر، أو أصفر، أو أبيض، أو أخضر، وذلك بحسب الاتجاهات والميول السياسية أو الدينية أو القومية أو العرقية أو الطبقية، وهكذا وصولاً إلى مصطلحات نخبوية أخرى كـ (رومنسي، أو عاطفي، أو نرجسي، أو مخملي …إلخ).

الجديد اليوم هو ظهور صفة (البنفسجي) التي يجري تداولها بشكل (ملغوم) على نطاق ضيق وبشكل هادئ تجعل من يطلق عليه هذا اللقب في نشوة لا يشعر معها بندم معذّب ولا يلسعه العار من موبقات ارتكبها أو (رشا) أخذها لأن هذا المصطلح يطلق على الشخص الفاسد المحترف الذي حصل على أعلى الشهادات في الفساد، وخضع للعديد من دورات (المناطحة والمراقعة) في هذا المجال وصولاً إلى حقنه بفيروس الفساد الذي تم اكتشافه مؤخراً فيما بات يعرف بـ(فضيحة المختبرات) واستخدام خفافيش الليل من الإرهابين والنازيين الجدد والجرذان المختصة بتبييض الأموال وتمرير الصفقات المشبوهة وتسويد صفحات الشرفاء والنيل من الرموز والإساءة لتاريخهم الوطني والنضالي.

لماذا يجري إطلاق صفة (البنفسجي) تحديداً على الفاسد؟

يقول الذين أوجدوا هذا المصطلح إن هناك تشابهاً كبيراً بين الشخص الفاسد واللون البنفسجي، بسبب ندرة وجودهما سابقاً والتكاليف الباهظة لإيجاد كل منهما.

ففي الزمن الغابر لم يُعرف الفساد إلا في الحدود الدنيا والنادرة… فأن يكون شخصٌ ما فاسداً فهذا يُعتبر من المحرمات ومن العار الذي يلاحق الشخص وعائلته إلى الأبد، فظاهرة الفساد في ذلك الزمان كانت من الحالات المكلفة جداً، فهي منبوذة ومدانة اجتماعياً ودينياً وأخلاقياً، وكانت تعتبر من الكبائر لأنها تمس أغلى شيء عند الإنسان، والذي لا يقدر بثمن ألا وهو الكرامة والشرف والعزة والضمير والأخلاق، لذلك تم تشبيه (الفساد) باللون البنفسجي الذي كان أيضاً في السابق من الألوان النادرة والمكلفة ولا يمكن لأي شخص عادي أن يحصل عليه بسهولة، وبحسب الروايات حتى عام 1800م كان اللون البنفسجي نادراً وغالياً جداً لدرجة أنه كان أغلى من الذهب، وعلى مرّ العصور كان هذا اللون دائماً مرتبطاً بالثراء والقوة ولا يلبسه سوى طبقة مُعيّنة من الشعب، ويعود سبب تميُّز اللون البنفسجي إلى أنه كان نادراً والصبغة المُستخدمة في إنتاجه كانت غالية جداً، ويقال إن تلك الصبغة كانت تأتي من تجّارٍ في مدينة (صور) جنوب لبنان منذ عهد الفينيقيين، وكانوا يستخرجونها من قواقع بحرية صغيرة وغير موجودة في أي مكان آخر من العالم، كما أن استخراجها كان صعباً ويحتاج مجهوداً كبيراً لدرجة أنهم كانوا يحتاجون أكتر من 10000 قوقعة ليستخرجوا غراماً واحداً فقط من الصبغة، وطبعاً لم يقدر على تكاليف هذه الصّبغة سوى فئة قليلة معينة من كبار الأغنياء.

وهكذا حتى عام 1856 قام الكيميائي (ويليام هنري بيركين) ذو الـ18 عاماً وأثناء محاولته صنع علاجٍ للملاريا وبالمصادفة صنع مُركّباً بنفسجياً ولاحظ أنه يمكن استخدامه في صباغة القُماش باللون البنفسجي، وأخذ براءة اختراع عليه وبدأ بتصنيعه على نطاق واسع وأصبح فاحش الثراء بسبب هذه المصادفة، ومنذ ذلك الوقت أصبح اللون البنفسجي متاحاً لكل الناس وتلاشت قيمته المعنوية والمادية، وبذلك يعلل أصحاب نظرية الفساد بأنه كما أصبح اللون البنفسجي متوفراً ومتاحاً كذلك انتشر الفساد في كل دول العالم بعد أن تمّ اكتشاف المضادات المختصة بالقضاء على المبادئ والشرف والأخلاق وأصبح غير الفاسد وغير المرتشي ينعت بأنه (من أصحاب العقول المتزمتة، ومنفصل عن الواقع)، حتى أصبحت ظاهرة انتشار الفساد ظاهرة عالمية ومتاحة لكل ضعاف النفوس الذين أصبحوا كثراً، وخاصة بعد ظهور مدارس وأكاديميات عالمية تخرج كبار الفاسدين والمرتشين وتعطي درجات علمية في أصول (فقه) الفساد وقوانينه وأخلاقياته، وهذا ما جعل المؤشر العالمي للفساد يسجل ارتفاعاً كبيراً بالمعدلات تماشياً مع ظهور اللون البنفسجي على نطاق واسع في العالم، مما حدا ببعض الذين لديهم استعداد للانحراف أن يرفعوا شعار: (لا نريد مكافحة الفساد بل نريد حصتنا منه).

من الجدير بالذكر والطريف أن هناك بعض المنظمات العالمية التي تفوح منها رائحة الفساد، وخاصة التي تُعنى بالمهجرين والمنكوبين والإغاثة تستخدم في نشاطاتها اللون البنفسجي، فهي تضع معوناتها في صناديق و(كراتين) وأكياس لونها بنفسجي.. ومن هنا يؤكد أصحاب هذه النظرية أن ذلك ليس مصادفة بل هو دليل دامغ على فساد هذه المنظمات والجمعيات التي تدعي حرصها على حقوق الإنسان ودعمها للفئات الأكثر فقراً في مختلف قارات العالم، فهي تسرق القسم الأكبر من هذه المساعدات، والدليل هو اللون البنفسجي المستخدم كشعار لها.

ويقول البعض إن الطبقة المخملية تعتمد في وجودها واستمرارها كثيراً على الفئة البنفسجية، فهي النبع الهادر الذي يغذيها ويقويها على الدوام والمخمليون يعترفون بفضل البنفسجيين عليهم ويقدرونه عالياً.

يعتقد البعض أنه كما أن (الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية) فإن (المخملية هي أعلى مراحل البنفسجية).

ملاحظة: يقول بعض المتابعين إن الصراع الطبقي الذي ميز القرن الماضي سيختفي في هذا القرن، وسنشهد صراعاً جديداً اسمه صراع الألوان يتمثل بالثورات الملونة (المخملية والبنفسجية والثورات البيضاء والحمراء والخضراء وكذلك صراع العروق الملونة الأخرى وفي مقدمتها العرق الأزرق والأصفر والأسود وهكذا).

كارل ماركس الذي اكتشف نظرية الصراع الطبقي لعله لم يكن يتوقع أن تحل محلها نظرية أخرى اسمها نظرية (صراع الألوان) تماشياً مع مقولة:

(النظرية رمادية اللون لكن شجرة الحياة خضراء دائماً).

من كل ما تقدم أتمنى أن أكون قد أجبت عن سؤال الأغنية الشهيرة:

ليه يا بنفسج بتبهج

وأنت زهر حزين؟!

والعين تتابعك

وطبعك محتشم ورزين!

 

العدد 1105 - 01/5/2024