آذار شهر الأعياد

محمود هلال:

تتعانق الأعياد في شهر آذار، ففيه عيد المرأة وعيد المعلم وعيد الأم وعيد الربيع (النوروز)، وفيه نهاية خمسينية الشتاء وبداية فصل الربيع بالنسبة للفلاحين.

يعدّ آذار شهر المرأة بامتياز، وهي الأم والأخت والزوجة والحبيبة والرفيقة والصديقة، وعيد المرأة يتقاطع مع المناسبات الأخرى، فهي المعلمة والمربية الفاضلة، وهي الأم الحنونة، وهي الربيع المزهر الجميل وهي منذ سالف العصور آلهة الحب والخصب والجمال.

ومنذ الأزل كانت المرأة شريكة للرجل في هذه الحياة، وكانت إلى جانبه ومعه في السراء والضراء والعمل، وتكدح من أجل بناء أسرتها وتربية أطفالها، وتقاوم الطبيعة والوحوش الضارية من أجل البقاء، وتسعى دائماً للوصول إلى أهدافها وغاياتها النبيلة والسامية، مسيرة كفاح المرأة طويلة وشاقة، ومازالت تناضل ضد الظلم والقهر والجهل والتخلف والتمييز والأعراف والعادات والقوانين البالية.. ومازالت واجبات المرأة هي حقوق الرجل، ومثلما كان الرجل والمرأة معاً في غابر الأزمان، يجب أن يكونا معاً في هذا الزمن الصعب، الذي حمل لنا الكثير من الحروب والآلام والأوجاع والقهر والعذاب.

صادف يوم الخميس الماضي 17/3/2022 عيد المعلم، ولابد من بضع كلمات بهذه المناسبة الغالية أيضاً، فلا شك أن المعلمين هم أصحاب الرسالة المقدسة، وهم بناة الأجيال الحقيقيون، لأنهم يبنون الإنسان الذي هو ركيزة المجتمعات وأساس تقدمها. يقول أحد المستشرقين: إذا أردت هدم حضارة، أسقِط الأسرة، والتعليم، والقدوة، ولكي تهدم الأسرة عليك بتغييب دور (الأم)، والأهم أنها هي مدرسة بحد ذاتها، ولكي تهدم التعليم، عليك بـ(المعلم)، لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى لا يحترمه طلابه.. ولكي تسقط القدوات عليك بـ(العلماء)، اطعن فيهم، قلل من شأنهم، شكك فيهم حتى لا يسمع لهم أحد.. فإذا اختفت (الأم الواعية) و(المعلم المخلص) وسقطت (القدوة والمرجعية) فمن يربي النشء على القيم؟!

يبقى السؤال الذي يطرح: ما هو حال المعلم عندنا اليوم؟!

لقد تغير واقع المعلم كثيراً جداً، والفارق كبير بين وضع المعلم اليوم ووضعه في عقود مضت، إذ كان للمعلم مكانته ودوره في المجتمع وفي الوسط الذي يعيش فيه، سواء في الحي أو في القرية أو في المدينة، فهو محترم من الجميع والكل يكن له التقدير، وكان يقدم النصح والمشورة لأهل بلده ويحل الخلافات والمشاكل التي تحصل بينهم، وكان الطلاب آنذاك يهابون المعلم ويحترمونه، إضافة إلى ذلك كانت أوضاعه المادية أفضل، فقد كان الراتب يكفيه ليعيش حياة كريمة، وليكون عنده الوقت الكافي ليطور معرفته ويزيد من كفاءته، وليس مضطراً للقيام بأعمال إضافية ليتدبر نفقات المعيشة التي أصبحت فوق طاقته بكثير، أو حتى بإعطاء دروس خصوصية – تعرّضه للمساءلة والعقوبة- كما يفعل كثير من المعلمين اليوم، الأمر الذي أساء للمعلم وقلل من احترامه من قبل طلابه، إذ أصبحوا يقيسون العلاقة على أساس العرض والطلب من منطلق تجاري بحت، وهذا الموضوع له تفرعاته وتشعباته الكثيرة.

كلنا أمل في القادم من الأيام أن يكون وضع المعلم في بلدنا أفضل وأحسن، لأنه هو الأساس في عملية البناء الشاملة وإعادة إعمار الإنسان من جديد، لكي تكون سورية أجمل وأقوى، وأن يحمل آذار الفرح والسعادة لنسائنا وأمهاتنا ومعلماتنا، وأن يعيد البسمة إلى شفاه أطفالنا، ويبعد الكآبة عن مواطنينا الذين أثقلت كاهلهم الهموم ويعيشون القهر والعذاب في سبيل تأمين لقمة العيش لهم ولأطفالهم، ويعود الربيع ليجدد طاقاتنا وقدراتنا ونشاطنا ويزكي نفوسنا.

 

العدد 1104 - 24/4/2024