الطبقية الاجتماعية وشرائح حكومتنا وعلاجها ‏

سليمان أمين:

تعتبر العدالة بين أفراد المجتمع أمراً أساسياً يمكن إقامته وتطبيقه وفق ما نصّ عليه الدستور والقوانين الناظمة، ويعتبر التفاوت الطبقي الفاحش بين المواطنين غير مقبول نهائياً، ولا نقصد هنا بالمساواة الفروق الفردية على مستوى المؤهّلات العقلية والعلمية والبدنية، لكن ما قصدناه هو إتاحة الفرص أمام جميع المواطنين بالتساوي، أمّا بالنسبة لاستثمار الفرص فيعتمد على القدرات التي يتمتّع بها كل فرد عن الآخر، والمساواة بين أفراد المجتمع تعمل على تعزيز العيش المشترك والتفاعل بين المواطنين بشكل إنساني أكبر، بحيث يستطيع كل فرد إشباع حاجاته الضرورية التي لا تكتمل حياته إلا بها، وهذا يؤدي إلى انطلاق الأفراد كل حسب حاجته وحسب نشاطه ومهاراته لينال نتيجة عمله ونشاطه الذي يقوم به.

 

طبقية ماركس وشرائح حكومتنا الرشيدة

رأى كارل ماركس أن الطبقة هي مجموعة من الأفراد يجمعهم مركزهم من ملكية وسائل الإنتاج، ودورهم في العمل الاجتماعي. وهو يرى أن الطبقات ترتبط فيما بينها إما بعلاقات عدائية، عندما تحصل طبقة على الثروة باستغلال طبقة أخرى مثل العلاقة بين مالكي وسائل الإنتاج والأجراء، وإما بعلاقات غير عدائية وتكون بين طبقات مستغِلة أو مستغَلة، فالأولى مثل العلاقة بين ملاك الأراضي والرأسماليين، والثانية مثل العلاقة بين العمال والفلاحين.

أما مفهوم حكومتنا الرشيدة فقد كان بمحاولة الالتفاف على الدستور والقوانين بخلق مصطلح جديد اسمه شرائح المجتمع التي تعني بالمفهوم الأساسي طبقات المجتمع، أي الفصل بين المواطنين وفق ما يملكون من أموال وغيرها، وبهذه العملية أخرجت الطبقات الميسورة من عملية الدعم الحكومي، وأبقت الدعم للطبقة الفقيرة، وبهذا بات المجتمع السوري طبقتين: غنية، وفقيرة، أو شريحتين وفق مصطلح الحكومة: شريحة مدعومة، وشريحة غير مدعومة، وهذا مخالف للدستور بشكل قطعي فوفق المادة 33 بالبند 3 (المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة). والبند 4: (تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين). وهذا يؤكد تجاوز الحكومة للدستور وعدم اعتباره رمزاً وخطاً أحمر لا يمكن تجاوزه إلا بتعديله، حتى ولو كان قرارها يحمل وجهاً صحيحاً بأن هناك فئة ليست بحاجة إلى الدعم، وهذا يجعلنا نتساءل: هل وطننا السوري اليوم بطريق العودة إلى البرجوازية والإقطاع مرة أخرى؟ فالقرارات الصادرة خلال الفترة الماضية والتي مازالت تصدر بشكل يومي تجعل كلّاً منا يفكر بقادم أسوأ وأبشع مما نعيشه اليوم، فبات الشغل الشاغل للحكومة بكل قراراتها تحصيل ما يمكن تحصيله، وبالقوة، من المواطنين الذين يعيشون واقعاً يمكن وصفه بأسوأ من الكارثي، فلا مدخول معيشي ولا خدمات.

علاج الطبقية المجتمعية

يكمن علاج الطبقية المجتمعية في:

*وضع سياسة اقتصادية اجتماعية تهدف إلى تضييق الفجوة بين طبقات المجتمع ومحاربة كل أشكال الإقصاء والتمييز الاجتماعي.

*العدالة في تقسيم الموارد وتوزيع الثروة من حيث الحد الأدنى والأعلى للأجور، وإلزام الشركات بالتوظيف والتدريب وصرف رواتب عادلة تواكب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية.

*تقليص الهوة الاقتصادية بين مكونات المجتمع وإزالة الحساسيات والحواجز وإذابة الفوارق الاجتماعية لتعزيز لحمة المجتمع ووحدته.

*تفعيل وتطبيق القوانين التي تمنع كل أشكال التمييز المجتمعي القائم على أساس السلطة والمال.

* تكافؤ الفرص في مجال الخدمات الأساسية من تعليم ورعاية صحية وإسكان …الخ.

*ضبط الأسواق والمراجعة الدائمة لقوانين السوق ودعم الخدمات العامة والسلع للفئات المستحقة.

*كبح وتقليص المدّ المتزايد للمدارس الخاصة وتنظيمها وتوحيد الرسوم الدراسية بها ومراجعة البرامج والمناهج التربوية التي يمكن أن تلمح إلى الفوارق الاجتماعية.

*إشراك المثقفين وأصحاب الرأي في رسم السياسات والبرامج الهادفة إلى مكافحة الفقر والقضاء على داء الجهل والأمية وإزالة الفوارق الاجتماعية.

ختاماً

على مجتمعنا مواكبة التطور الحاصل في العالم والعمل عليه بجدية لا بقرارات التفرقة والتمييز بين أبناء المجتمع الواحد التي انعكست سلبياً على المجتمع السوري وأحدثت شرخاً كبيراً بين المواطنين، فتأتي بعد ذلك النتائج التي تؤهله ليتعامل مع الواقع بمنطق إنساني، بمعزل عن عناوين ومصطلحات الطبقية الشرائح والفئات وغيرها من التسميات والمصطلحات الأخرى.

العدد 1105 - 01/5/2024