إلى الوراء سر!

حسين حسين:

سنصير شعباً عندما يقتنع سائقو الميكرو باصات العاملة على الخطوط الريفية بأن هذه المركبات مخصصة لأربعة عشر راكباً فقط، وليس لثمانية عشر والراكب التاسع عشر يجلس في حضن السائق!

كل المجتمعات البشرية وعبر تاريخها الطويل، كانت عشائر فصارت قبائل،

قبائل فصارت مدناً،

مدناً فصارت إمارات وممالك،

ثم صارت دولاً وأمماً وحضاراتٍ أعلت من شأن الإنسان عبر سنّها للقوانين والتشريعات التي تصون حقوقه وحريته وكرامته. ولأنها أكدت على القيمة الجوهرية للوجود الانساني، ارتفعت الصروح وانطلقت الصواريخ الى الفضاء الذي ازدحم بالأقمار الصناعية حتى صار بحاجة ماسة إلى قانون سير وشرطة فضائية. وفَلقتْ هذه الدول المتقدمة الذرة وشطرتها، ولم ترتفع في بلادنا غير أرصدة الفاسدين، ولم تُفلق غير الأقدام العارية التي تتراقص ألماً في الهواء كعيدان القصب النحيلة ولم يشطر إلا الإنسان.

 

وهكذا كان العرب أمةً وبناة حضارةٍ، فصاروا دولاً،

وكانوا دولاً فصاروا دويلات،

ثم قبائل فعشائر فأفخاذ، ولكل فخذ طائفته وسجونه وسجانوه وأجهزة أمنه البري والبحري والجوي وأمنه الغذائي والمائي، وشيخ وحاشية وحرس وخطابات وشعارات ع كل مضربٍ وخيمة. وشعب يمتلك حقول القمح ولا يملك رغيفاً.

يملك المعامل والمصانع ورغم ذلك يسير حافي القدمين مهلهل الثياب.

يملك الشوارع ولا يملك السيارات،

الارصفة ولا يملك القدمين.

وعلى رأس كل فخذٍ مندوب أمريكي أو بريطاني أو فرنسي وعلى رأس الجميع الاحتكارات العالمية ونجمة داوود.

ولأن الاحتجاج والتظاهر حقٌّ تمارسه الشعوب للتعبير عن رفضها للطغاة والمستبدين وللواقع الاقتصادي والاجتماعي المزري الذي تعيشه نتيجة للاستغلال وغياب العدالة الاجتماعية، فلقد مارست تلك الشعوب وعلى مر تاريخها هذا الحق بكل شرف وإخلاص وإيمان بوحدة الامة والمصير ووحدة علمها الوطني الجامع فأسقطت أعتى الطغاة وزلزلت عروشاً وممالك، واستحصلت عنوةً على حقوقها التي كانت محرومة منها. ولأن مفهوم القبيلة والعشيرة والحي والزقاق والقرية والمدينة والطائفة والمذهب والعرق لدينا قبل مفهوم الوطن، فكل مظاهرة أو احتجاج تخرج في أي بقعة أو زاوية في هذا الشرق رافعةً شعار (المدنية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، واللاطائفية) لا تلبث أن يرفرف فوقها راية طائفية ويركبها زعيم طائفي ليقودها بعيداً عن وجهتها المطلبية الحقيقية ملقياً بها في آخر المطاف في أحضان السفارات الغربية لتتلاعب بها!

وهذا ما يحصل غالباً عندما تُغيّبُ الأحزاب وتُقيد حريتها وتبعد قسراً عن الشارع. فهي وحدها القادرة على تنظيم هذه الجماهير وتأطير مطالبها وتوحيدها تحت راية وطنية واحدة لتصل إلى تحقيق غاياتها وأهدافها المنشودة في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

 

العدد 1105 - 01/5/2024