كيف ولماذا يدفع الغرب روسيا إلى غزو أوكرانيا؟

د. صياح فرحان عزام:

يعيش العالم هذه الأيام أجواء متوترة خلقتها الولايات المتحدة وحليفاتها، تذكّر بسنوات الحرب الباردة: معسكران يقفان على أهبة الاستعداد لشن حرب كبيرة، وعالم يترقب وحلفاء جاهزون للاصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك.. وفي هذا المجال يلعب الإعلام الغربي، بالتوازي مع الدبلوماسيين الغربيين، دوراً بارزاً في الدفع باتجاه الحرب.. هذا ما يجمع عليه العديد من المحللين السياسيين ومتابعي الأحداث، خاصة على ضوء ما يصدر من بيانات وتقارير وتعليقات عن كبريات العواصم الغربية.

والسؤال المهم في هذا السياق: كيف يجري هذا الدفع المتعمد؟

أولاً- من خلال الضغط الكبير على روسيا، إذ يذكّرانها (أي الإعلام والدبلوماسية) بأن عليها أن تظل خاضعة للغرب، وإلا فالعقوبات غير المسبوقة تنتظرها، ويعمدان في الوقت ذاته إلى ملامسة كرامتها في الداخل حتى تنتفض وتنتقم، فتتورط في مستنقع يصعب عليها الخروج منه.

ثانياً- تقوم أجهزة الاستخبارات الغربية (أمريكية – أوربية) بالدعوة إلى الحرب، فهي تحذر روسيا على لسان السياسيين من اجتياح أوكرانيا، فيما هي في الحقيقة تفرش لروسيا الطريق للقيام بالاجتياح، أي ترفض الحرب في العلن، ولكنها ترسل الأسلحة الدفاعية والهجوية لأوكرانيا بكميات كبيرة تحت ذريعة تحقيق توازن عسكري على الأرض.

فهل ستستجيب روسيا للضغوط الغربية التي يمكن أن تسمّى ضغوطاً عكسية على شاكلة (الأمر بأدوات النهي) وتدخل أوكرانيا لتعلق في وحول مفتوحة تستنزفها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، أم أنها تعمل على استهلاك الوقت في مواجهة العجز الغربي الذي لو استمر بلا حرب فإنه سيقوض بناءات غربية من الداخل؟!

إذاً، الغرب يستعجل دخول روسيا إلى أوكرانيا واستنزافها لسببين:

– الأول توريطها في حرب شبيهة بحربها في أفغانستان، تعود في نهايتها كدولة من دول العالم الثالث تعاني من التعثر الاقتصادي والسياسة المضطربة والانكفاء على النفس، والمشي بكرامة مهزومة وقوة عسكرية بلا مخالب، والأكثر إمكانية حصول تململ شعبي متصاعد وظهور خصوم أقوياء في الداخل.

والسبب الثاني: إخراج روسيا من أجواء الحرب الباردة، لأن الحرب الباردة (لا سلم ولا حرب) هي ما تجعل روسيا وتمكّنها من المضيّ في طريق صناعة مجدها الجديد قطباً دولياً قادراً على اجتثاث الغرب من كرسي قيادة العالم، خاصة في ظل تطوير علاقاتها الوطيدة مع الصين التي يسير (قمر قطبيتها) بسرعة رهيبة ومذهلة (نحو الاكتمال).

بطبيعة الحال، ساسة الغرب، وبضمنهم الساسة الأمريكيون، ليسوا أغبياء ولا مغفلين، إذ يدركون تمام الإدراك ويعرفون حق المعرفة أن روسيا تصغر وتضعف بالحرب الهامشية، في حين تكبر وتصبح أكثر قوة واقتداراً بالحرب الباردة.. لذلك يدفعها الغرب جاهداً إلى حرب هامشية في أوكرانيا.

لا شك في أن روسيا والرئيس فلاديمير بوتين بالذات لديه خبرة كبيرة في محاولات وأفخاخ وألاعيب الأمريكيين والأوربيين، ولا تنطلي عليه كل هذه الضجة الغربية ويدرك مراميها، ولذلك وحسب تقدير وتوقعات العديد من الخبراء العسكريين والمحللين السياسيين، لن يغامر الرئيس بوتين بصناعة (أفغانستان جديدة) لبلاده، ولكنه لم ولن يسمح لحلف الناتو بنصب صواريخه على مقربة من حدودها أو التمدد باتجاهها.

على كل حال، الأيام حبلى كما يقال، ولكن مع ترجيح المتابعين للأوضاع المتوترة، انتصار السياسة الروسية من خلال تحييد خطر الناتو على حدودها دون دخول أوكرانيا، وفشل المخططات الغربية الخبيثة.

 

العدد 1107 - 22/5/2024