تساؤلات حول الديمقراطية الأمريكية المزعومة

د. صياح فرحان عزام:

يوم السبت الواقع في 15/1/2022 اتخذ مجلس الشيوخ الأمريكي قراراً بتبرئة الرئيس السابق دونالد ترامب من تهمة (الحضّ على التمرد) إثر أعمال العنف التي استهدفت مقر الكونغرس الأمريكي في السادس من شهر كانون الثاني 2021، وقد علق الرئيس الأمريكي جو بايدن على هذا القرار قائلاً: (إن الديمقراطية هشّة يجب الدفاع عنها دائماً، ويجب أن نكون على الدوام يقظين).

هذا القول يطرح علامات استفهام كثيرة وأسئلة متعددة حول الديمقراطية الأمريكية، وهل هي ديمقراطية تستجيب لمفاهيم الديمقراطية بأسط معانيها (حكم الشعب)، وفقاً لأصلها اليوناني، والتي تقتضي بالدرجة الأولى تمكين المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي، والتداول السلمي للسلطة من دون إكراه معنوي أو مادي.

لقد أثبتت الوقائع أن في الولايات المتحدة ديمقراطية لا تخضع لهذه المعايير ولا توفر للمواطن الأمريكي حرية الاختيار، بل على العكس فالعملية الانتخابية بمجملها تخضع على مستوى الرئاسة ومجلسي النواب والشيوخ والانتخابات المحلية أيضاً، لتأثير المال واللوبيات المتعددة، وفيما يلي بعض الملاحظات حول هذه المسألة:

أولاً- خلافاً لما يعتقده الكثيرون، فإن الناخبين الأمريكيين لا يقومون بانتخاب رئيسيهم مباشرة، بل يتم ذلك من خلال ما يسمى (المجتمع الانتخابي) الذي يتألف من 538 مندوباً، وقد سبق لمرشحين للرئاسة أن خسروا الانتخابات رغم نيلهم أكثرية الأصوات الشعبية، وقد حدث ذلك مرتين خلال السنوات العشرين الماضية وأخرها عام 2016 عندما فاز ترامب على هيلاري كلينتون بأصوات المجتمع الانتخابي.

ثانياً- إلى جانب ذلك، يلعب المال السياسي دوراً كبيراً وأساسياً في ترجيح كفة مرشح على مرشح آخر، وفي هذا السياق تلعب مساهمات كبار الأثرياء والشركات الكبرى التي تموّل الحملات الانتخابية الدور الحاسم في تحديد الفائزين، وبالتالي في تحديد السياسات العامة الداخلية منها والخارجية، وهذا ما أشار إليه مسؤول كبير في مركز برينان للعدالة (معهد للدراسات السياسية في نيويورك) حين قال:

(نحن نعتقد أن ديمقراطيتنا تقوم على أساس شخص واحد ناخب واحد، ولكن الأثرياء القادرين على تقديم تبرعات بملايين الدولارات إنما يلعبون دوراً في انتخابات المسؤولين أكبر بكثير من دور الناخبين العاديين، بمعنى أن من لا يملك المال الكافي لا يستطيع اختراق (الجدار السياسي المصفح) الذي يحكم النظام السياسي الأمريكي.

ثالثاً- ثم هناك دور اللوبيات ومجموعات الضغط القادرة على التأثير المباشر في نتيجة أي انتخابات وعلى أي مستوى، نظراً لدورها الكبير على الساحة السياسية، فهي قادرة على اختيار الشخص الذي يلبي طلباتها ويحقق ويحمي مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلاقاتها الخارجية.

لقد وضع البروفيسور جيفري إم بيري، الأكاديمي البارز في جامعة تافت، كتاباً مهماً حول هذا الموضوع (أي موضوع تدخل وتأثير اللوبيات في الانتخابات الأمريكية على مختلف مستوياتها) بعنوان (مجتمع لوبيات المصالح) ذكر فيه بالاسم (ستمئة) لوبي مصالح تنشط بفعالية لافتة للنظر في واشنطن العاصمة وحدها، وأكد أن العدد الإجمالي للوبيات يصل إلى نحو عشرين ألفاً، ومن أبرز هذه اللوبيات: اللوبي اليهودي، ولوبيات النفط والسلاح والدواء والتبغ.

بطبيعة الحال، تنفق هذه اللوبيات مليارات الدولارات خلال الانتخابات الأمريكية لمصلحة مرشحين محددين، سواء كانت الانتخابات رئاسية أو تشريعية (الكونغرس ومجلس الشيوخ) أو محلية.

وفي هذا الإطار ترى الفيلسوفة الأمريكية سوزان نايمان أن الديمقراطية في خطر، وتتساءل: (ماذا بوسعنا أن نفعل ضد هذا النظام الانتخابي غير الديمقراطي).

– من جهة أخرى كتب الرئيس الأسبق جيمي كارتر الذي بات يشكل لكثير من الأمريكيين سلطة معنوية في مقالة نشرتها صحيفة (نيويورك تايمز) كتب يقول: (إن أمتنا العظيمة باتت تترنح الآن على حافة هاوية تزداد عمقاً.. سوف نشهد مواجهة داخلية ومن دون تحريك فوري.. كما أن ديمقراطيتنا ستكون مهددة أمام هذه الانقسامات).

إذاً، يلاحظ من خلال هذه الشواهد والآراء من الداخل الأمريكي أن الديمقراطية الأمريكية أكثر من هشة، بل يمكن القول إنه لا ديمقراطية في الولايات المتحدة.

ونختم بالقول إن الرئيس بايدن الذي يتباكى على الديمقراطية ويصفها بأنها هشة في بلاده، إنما يقول ذلك رداً على تهجمات سلفه ترامب عليه، ليس أكثر من ذلك، وبالأمس القريب – كما نتذكر- دعا إلى قمة موسعة حول الديمقراطية حضرتها دول معادية للديمقراطية، وتجاهل دولاً مثل الصين وروسيا وغيرهما من الدول المناهضة لسياسة واشنطن رغم أنها تطبق الكثير من الممارسات والسياسات الديمقراطية.

 

العدد 1105 - 01/5/2024