تأجيجٌ أمريكيٌ للحرب الباردة.. ماذا بعد؟

رزوق الغاوي:

كلما جرى حوار سياسي (روسي ــ أمريكي) حول قضية حيوية (ثنائية) تهم العلاقات بين الجانبين، أو (عامة) تخص العلاقات الدولية، يتأكد المؤكد من جديد مرّات ومرّات، مفاده أن السياسة الأمريكية ثابتة لن تتغير، من حيث كونها موضوعة في الأساس في خدمة المصالح الإمبريالية الأمريكية حصراً، على حساب مصالح بلدان العالم وسيادتها، وعلى مصالح شعوبها المشروعة وحريتها، ما يعني في النتيجة أن هذا الحوار محكوم قبل الشروع به بالفشل الذريع جراء التعنت الأمريكي.

(وما نتج عن المحادثات الروسية الأمريكية الأخيرة حول الضمانات الأمنية الروسية، ومقترحات موسكو بشأنها، التي تتضمن انسحاب قوات الناتو من بلغاريا ورومانيا ورفض واشنطن ذلك، وضغطها على سياسات فنلندا والسويد اللتين ترتبطان بعلاقات ودية مع موسكو، وتساهمان مساهمة فعالة في تشكيل الأمن الأوربي)، يؤكد ذهاب واشنطن باتجاه تأجيج الوضع العسكري وحشد القوات الأطلسية داخل أوكرانيا بذريعة حمايتها من غزو عسكري روسي لها نفتها موسكو جملة وتفصيلاً، والعمل على تدهور العلاقات بينها وبين موسكو، ما يستدعي من الجانب الروسي ممارسة حقه في اتخاذ مختلف الإجراءات الاحترازية العسكرية وغير العسكرية الكفيلة بالحفاظ على الأمن الروسي، وتحميل واشنطن المسؤولية الكاملة عن ذلك التدهور وسلوك خيار التصدي الرادع لأي عمل عدائي أمريكي أو أطلسي محتمل، مباشرة أو عبر وكلاء.

في السياق العام وحسب جوهر السياسة الأمريكية تمضي واشنطن والغرب المتحالف معها عبر دوائر البنتاغون والاستخبارات المركزية وحلف شمال الأطلسي، في افتعال قضايا شائكة الهدف منها خلق حالة من التوتر العسكري والتهديد الأمني لروسيا الاتحادية في أكثر من مكان من الجوار الروسي، وخاصة في منطقة البحر الأسود حيث الجارة الأوكرانية لروسيا، وذلك في إطار المحاولات الأمريكية الغربية المستمرة لإحكام طوق الدرع الصاروخية حول روسيا ومحاصرتها والضغط عليها، متذرعة بقضية أوكرانية داخلية يمكن حلها وتسويتها بأبسط الطرقٍ السلمية، في محاولة مكشوفة لزيادة الحضور العسكري للحلف بالقرب من الحدود الروسية والتوسع باتجاه الشرق الأوروبي الذي كان جزءا من الاتحاد السوفييتي وتأجيج الخطاب المعادي لروسيا، ما يشكل تالياً تهديداً للأمن القومي الروسي، حيث تجد موسكو أن من حقها الدفاعي الأساسي تحريك قواتها العسكرية في الداخل الروسي ورفض أي تدخل خارجي في شؤونها الخاصة ،   أخذة في اعتبارها التحركات العسكرية العدوانية للولايات المتحدة الأمريكية     وحلف شمال الأطلسي في الشرق الأوربي وعسكرته بما فيه نشر الصواريخ وتحشيد القوات وتقديم الدعم العسكري لمتعاونين معها، ما يشكل تهديداً صريحاً للأمن القومي الروسي .

وعلى ضوء الموقف الروسي الحازم والجدي في مواجهة ما يُبَيَّتُ ضدها، وجهت الصين رسالة صريحة للولايات المتحدة الأمريكية تطالبها بأن تأخذ بالاعتبار جدية رد فعل موسكو على الموقف  الأمريكي ــ الأطلسي وتضعه في حسابها، لافتة إلى أن من شأن وقوف الصين إلى جانب روسيا وتعزيز التعاون المشترك بينهما فإن البلدين قادران على ضمان النظام العالمي وصد ضغوط الدول التي تسعى للهيمنة على العالم ، ويعملان عبر تعزيز تعاونهما الاستراتيجي المثمر في إطار منظمتي شنغهاي والبريكس، بما يخدم القضايا الدولية ومصالح الدول النامية في العالم .

في ضوء ماتقدم: هل ثمة مكان للتفاؤل بإحداث تغييرٍ ما في السياسة الأمريكية؟ والجواب المنطقي: أن مقدمات السياسة الأمريكية ستبقى تؤكد العكس.

دمشق، الجمعة 28/1/2022

العدد 1104 - 24/4/2024