تعليق لافروف على الرد الأمريكي على وثيقة الضمانات الأمنية الروسية

قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن الإجابات الأمريكية على المقترحات الأمنية الروسية (لا تتضمن أيّ ردّ إيجابي بشأن البند الرئيسي، وهو مطالبة موسكو لحلف الناتو بوقف تمدّده شرقاً.

وقال لافروف في أول تعليق على الرد الأمريكي المكتوب الذي تلقته موسكو من واشنطن بشأن الضمانات الأمنية: (هذه الوثيقة تتضمن ردود أفعال تبعث على الأمل في إطلاق حوار جدي، لكن بشأن قضايا ذات أهمية ثانوية فقط).

وأشار الوزير إلى أن الخارجية الروسية تدرس حالياً الرد الأمريكي على مبادرتها، والآخر الذي تلقته من حلف الناتو، وستبلغ، بعد التشاور مع الوزارات المختصة الأخرى، الرئيس فلاديمير بوتين بهذا الشأن كي يحدد الخطوات المستقبلية الواجب اتخاذها.

وفيما يلي النص الكامل لتعليق لافروف:

أعتقد أن مضمون الرد سيصبح معروفاً لعامة الناس في المستقبل القريب جداً. كما أخبرنا زملاؤنا الأمريكيون (على الرغم من أنهم يفضلون الاحتفاظ بالوثيقة من أجل حوار دبلوماسي سري)، فقد تم التوافق عليها مع جميع حلفاء الولايات المتحدة ومع الجانب الأوكراني. ليس هناك شك في أنه في المستقبل القريب جدّاً سوف (يتسرب مضمونها). أما فيما يخص محتوى الوثيقة، فهناك رد فعل يسمح بالتعويل على بداية محادثات جادة، لكن حول مواضيع ثانوية. لا يوجد رد فعل إيجابي على القضية الرئيسية في هذه الوثيقة. وتتمثل القضية الرئيسية في موقفنا الواضح من عدم جواز توسيع الناتو إلى الشرق ونشر أسلحة هجومية يمكن أن تهدد أراضي الاتحاد الروسي. هذا الموقف لم يأت من فراغ. كما تعلمون، فإن مسألة توسع أو عدم توسع الناتو (فليختار كل واحد الصيغة كما تحلو له) هي تاريخ طويل. في أوائل التسعينيات، في عام ألف وتسعمئة وتسعين، عندما كانت ألمانيا تتوحد ويجري حل القضايا الأمنية الأوربية، وعدونا وأقسموا بعدم توسيع الناتو ولا بشبر واحد شرق نهر الأودر. هذه الحقائق معروفة جيداً وقد وردت في العديد من مذكرات شخصيات من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا. مع ذلك، الآن بعد أن بات هذا الموضوع يناقش بشكل حاد للغاية، قيل لنا في البداية أن التأكيدات كانت شفهية. بعد ذلك، عندما عرضنا المذكرات، بدأ شركاؤنا الغربيون بالإشارة إلى حقيقة أنها لم تكن جادة تماماً، وقد أسيء فهمها. وبدؤوا في شرح موقفهم من التوسع المتهور للحلف بطريقة غير جادة تماماً. أما الآن، عندما نبرز لهم وعوداً ليست شفهية، بل وثائق مكتوبة وموقعة من قادة جميع دول منظمة الأمن والتعاون في أوربا، وبضمن ذلك رئيس الولايات المتحدة (إعلان اسطنبول لعام ألف وتسعمئة وتسعة وتسعين، وإعلان أستانا لعام ألفين وعشرة، فسيتعين على شركائنا الغربيين التملص من حالة أكثر جدية. ما أعنيه هو أن كلتا الوثيقتين تنصّان على أننا جميعاً ملتزمون بمبدأ عدم قابلية تجزئة الأمن ونتعهد بالالتزام به. هذا المبدأ تمت صياغته بشكل واضح. فيه نهجان رئيسيان مترابطان ببعضهما البعض. النهج الأول: الاعتراف بحق كل دولة في اختيار التحالفات العسكرية بحرية. النهج الثاني: التزام كل دولة بعدم تعزيز أمنها على حساب أمن الآخرين. بعبارة أخرى، من الواضح أن الحق في اختيار التحالفات مشروط بالحاجة إلى مراعاة المصالح الأمنية لأي دولة أخرى من دول منظمة الأمن والتعاون في أوربا، وبضمن ذلك الاتحاد الروسي. تجدر الإشارة، إلى أنه عندما يتفاعل زملاؤنا الغربيون مع مقترحاتنا بالاتفاق على ضمانات ملزمة قانوناً في المنطقة (الأوروأطلسية)، فإنهم يطالبون دائمًا بتنفيذ المبادئ المتفق عليها بشأن الهيكل الأمني في المنطقة (الأوروأطلسية). يقولون على الفور: هذا يعني أن للناتو الحق في التوسع، ولا يحق لأحد أن يمنع أعضاء الناتو من النظر في طلبات أي دولة أخرى. ويتم التكتم عمداً على المبدأ القائل بأنه لا ينبغي أن تعزز أمنك على حساب أمن الآخرين. لم يشر شركاؤنا الغربيون لا إلى إعلان اسطنبول ولا إعلان أستانا في المناقشات الجارية حالياً حول الأمن الأوربي. يسعون جاهدين لعدم التطرق لها. لا يمكننا قبول مثل هذا الموقف. لو كانوا شرحوا لنا الوضع حول ألف وتسعمئة وتسعين بغياب الالتزامات المكتوبة بشأن عدم توسيع الناتو، فالآن لدينا هذه الالتزامات المكتوبة. لقد تم تأكيدها في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوربا أكثر من مرة، وجرى ذلك على أعلى مستوى. سنركز الآن على شرح هذا الموقف الماكر لزملائنا الغربيين. عندما أجرينا محادثات مع بلينكن في جنيف، سألتُ كيف يمكن شرح موقفهم الذي وفقاً له ينظرون إلى الالتزامات التي أقرت ضمن منظمة الأمن والتعاون في أوربا كقائمة مأكولات في مطعم، يختارون فيها فقط ما هو لذيذ بالنسبة لهم. أما ما تعهدوا بفعله من ناحية مصالح الآخرين، فيحاولون تجاهله والمماطلة به. لم يجب بلينكن عن هذا السؤال. لقد حذرته، كما حذرت زملاءنا الآخرين، من أنه في المستقبل القريب جداً سنرسل لهم طلباً رسمياً لشرح سبب قيامهم باختيار بند واحد فقط من التزاماتهم الخاصة، أما شرط الالتزام بالبند (المحبب بالنسبة لهم) فيحاولون تجاهله. سيكون هذا بمثابة طلب رسمي لجميع الدول التي وقع قادتها على إعلاني اسطنبول وأستانا. آمل في هذه الحالة ألا يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لتوضيح سبب اتخاذ الغرب هذا الموقف.

العدد 1107 - 22/5/2024