ترامب يذكّر بنفسه: أنا باقٍ!

د. صياح فرحان عزام:

الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يذكّر بنفسه، فقد يعود إلى البيت الأبيض وقد لا يعود، فالطريق أمامه إلى هذه العودة ليست معبدة تماماً، لكنه معروف بعناده الشديد، الذي قد يساعده على تذليل العقوبات أمامه، ويصبح رئيساً للمرة الثانية. أما العراقيل التي يعول عليها للعودة فأهمها: الإرباك الذي تتسم به إدارة خلفه الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، هذا الإرباك الذي تجلى في أكثر من جانب وملف، بينها ملف الانسحاب العسكري المرتجل والسريع من أفغانستان في شهر آب الماضي، والذي اعتبره العديد من المحللين السياسيين والعسكريين بمثابة (الهزيمة). أما العامل الثاني والأهم الذي يعوّل عليه، فهو اتساع قاعدة المناصرين له والذين مازالوا يصغون إلى أقواله وتصريحاته، وهم في أتم الاستعداد وكامل التأهب لدعمه في الانتخابات الرئاسية القادمة، وقد قيل وكُتب الكثير عن (الظاهرة الترامبية) كونها أصبحت نهجاً شعبوياً صاعداً في كل أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، كما أصبح لها نظيرات في بلدان أوربية، حتى إن السياسي اليميني المتطرف إيريك زمو، الذي أعلن ترشحه مؤخراً للرئاسة الفرنسية تصفه أجهزة الإعلام بأنه (ترامب فرنسا).

والأمر اللافت للنظر، هو أن ترامب لو لم يعد إلى البيت الأبيض كرئيس شرعي، فإنه مازال يؤكد حضوره في الشارع الأمريكي، لا في المشهد السياسي وحده، وإنما أيضاً في عالم التواصل الرقمي، العالم الأثير لديه والذي أدمن العيش فيه والتعامل معه خلال سنوات رئاسته الأربع، حتى قيل آنذاك ومن باب التندّر، إن ترامب يتخذ قراراته الرئاسية على منصة تويتر التي كان يحظى بمتابعة واسعة فاقت 89 مليون متابع، إضافة إلى 33 مليون متابع على الفيسبوك و25 مليون على إنستغرام، وكما نتذكر كل هذه المنصات عاقبت ترامب بإلغاء حساباته عليها أو تجميده، بسبب الهجوم الذي نفذه أنصاره ومريده على مبنى الكونغرس لحظة اجتماع أعضائه للتصويت على نتائج الانتخابات الرئاسية التي خسر فيها ترامب، فقد أصبح بعد ذلك الهجوم مجرداً من إحدى أهم وسائله التي يستخدمها في التواصل مع قاعدته ومؤيديه في الداخل الأمريكي وخارجه.

من جديد ومرة أخرى، حضر (عناد) ترامب بقوة، إذ لم يستسلم لذلك، وقرر مستعيناً بقدراته المالية الضخمة تأسيس (منصة) خاصة به، وتعمل (مجموعة ترامب للإعلام والتكنولوجيا) على تدشين تطبيق للتواصل الاجتماعي يحمل اسم (تروث سوشيال). والشيء الجديد في الأمر أن هذه الشركة أعلنت مؤخراً أنها استطاعت أن تجمع مليار دولار من المستثمرين قبيل الطرح المزمع لأسهمها للاكتتاب العام في البورصة، وهذا بالتأكيد يمثل تحدياً صارخاً وقوياً لمنصات التواصل التي حظرته، فقد قال ترامب شامتاً: (إن مبلغ المليار دولار يرسل رسالة مهمة إلى شركات التكنولوجيا الكبرى، مفادها أن الرقابة والتمييز السياسي يجب أن ينتهيا بسرعة). وأضاف قائلاً: (مع توسع الميزانية العمومية لدينا، فإن مجموعة ترامب للإعلام والتكنولوجيا ستكون في وضع أقوى للرد على طغيان شركات التقنية الكبرى).

قد يكون من المبكر- كما يقول العديد من خبراء التكنولوجيا- الجزم بقدرة هذه الشركة الترامبية الجديدة على المنافسة القوية والجدية للمنصات الموجودة، لكنها أوصلت إلى هذه الشركات الرسالة التي يريدها ترامب والتي تقول: (أنا هنا.. أنا باقٍ).

 

 

العدد 1105 - 01/5/2024