أين العدالة؟!

ريم سويقات:

بعد تشخيص الطبيب أن التقلصات العديدة التي أصابت معدتي في الآونة الأخيرة كان سببها التوتر والقلق الدائمين، من رؤيتي لأصحاب الملايين والمشحّرين يقفون معاً على الشبّاك ذاته، في مكان عملي في مركز للصرافة المالية، نصحني بالابتعاد عن ذلك المكان أو أن أحاسيسي ستتبلّد.

وبما أنني أعيش في هذا الوطن فلا أستطيع إلا أن أشعر، حتى أتمكن من (الصمود) المطالَب به شعبنا، أما عن التفكير فكما يقال لنا، هناك العين الساهرة تفكر بنا وتخطط، ومن كرمها تشعر أيضاً!!

والحق يقال، فقد رأيت بأم عيني تفكير الحكومة بحل مشاكل المواطن وهمومه وتعاطفها معه، فبينما يصدر مواطن سوري يعمل تاجراً حوالة مالية بمبلغ قدره مليون ل. س إلى ٢ أو ٣ ملايين في بعض الأحيان كل يوم، يصدر مواطن آخر من فئة الدخل المحدود حوالة مالية بقيمة ١٥ ألف ليرة كل أسبوع لابنه الذي يدرس في إحدى الجامعات!

السؤال هنا: كم يربح ذلك التاجر من كل سلعة يبيعها، سواء كانت (ألبسة، أحذية، مواد طبية، مواد غذائية …)؟ وكم يشقى الموظف والفلاح والعامل المياوم وكم يعمل ويستدين حتى يستطيع إطعام أولاده؟!

كيف يمكن أن تتبلّد أحاسيسك ولا تشعر بالغيظ والغضب وقلة الحيلة، والوضعُ الاقتصادي المتردي يوسّع الشرخ أكثر كل يوم بين الفئات الفقيرة والغنية في المجتمع!؟

السياسات الاقتصادية المتبعة باتجاه تخلي الحكومة عن (رعائيتها)، والتي يعاني منها الشعب السوري اليوم، ليست نتيجة ما خلفته الأزمة والحرب والحصار فقط، فقد بدأ التمهيد لها منذ بداية الألفية الثالثة، إذ قلّصت الحكومات تدخلها في الحياة الاقتصادية، وبدأت بتخفيض الدعم الاجتماعي للفئات الفقيرة، وعملت على تحفيز الرساميل الخاصة، في الوقت الذي همّشت فيه قطاع الدولة الاقتصادي. لقد أدت تلك السياسات، التي أُعدّت منذ عام ٢٠٠٠ وطبقت منذ عام ٢٠٠٥ حتى الآن، إلى اتساع الهوة بين الفئات الفقيرة والغنية، وهذه الهوة تحتاج إلى جسر أطول من جسر الصين ليتقارب الوضع المعيشي للفئتين أو ليكون متوازناً إلى حدٍّ ما، خاصة بعد أن دخلت البلاد في حالة حرب وحصار، فزادت أرباح التجار وسيطرتهم على السوق، بعد أن شكلت الحرب والمصاعب الاقتصادية وتخبط السياسات الحكومية أرضية خصبة لهم. أما الشماعة التي يعلق عليها المسؤولون تردي أوضاع الناس فهي جاهزة: (الحرب والعقوبات)!

أيها السادة في الحكومة.. كيف يُطلب من المواطن أن يصمد ويقاوم الحرب والفقر والمرض، وحكومتُه تفشل في أن تؤمّن لأبنائها_ والأجدر أن نقول لكل المواطنين_ الحدَّ الأدنى من الغذاء والدفء والدواء؟!

كيف لا يتراكم غضبه وهو لا يحظى بحقوقه.. ولكنه مطالَب بأداء واجباته!؟

لماذا تتفرّدون؟! ولماذا لا تطلبون آراء خبراتنا الاقتصادية الوطنية، أو لا تأخذونها بالحسبان؟!

دام عزّكم.. ما رأيكم!؟

العدد 1104 - 24/4/2024