متى كانت واشنطن حريصة على الديمقراطية؟

د. صياح فرحان عزام:

دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخراً نحو مئة وعشرة دول للمشاركة في قمة افتراضية حل الديمقراطية، تعقد في شهر كانون الأول 2021.

لا شك في أن هذه الدعوة تثير التساؤلات حول الأسباب الداعية لها وأهدافها، وفي الوقت نفسه: هل الولايات المتحدة أساساً تمتلك المؤهلات الحقيقية لقيادة سفينة الديمقراطية في العالم؟!

الديمقراطية وفق التعريف اليوناني الأساسي لها، هي (حكم الشعب بالشعب)، ثم تطور مفهوم الديمقراطية فأخذ أشكالاً متعددة، وفق ما تراه كل دولة وبما يخدم مصالحها ونظامها السياسي. وكان أن اعتمدت الولايات المتحدة نظاماً ديمقراطياً يناسبها، ويقوم على النظام الرئاسي، وتوزع الصلاحيات بين الرئيس والكونغرس والمحاكم الفيدرالية، أما نظامها الانتخابي وخاصة انتخاب الرئيس فهو معقد جداً. وتخضع عملية الانتخابات وكذلك انتخابات الرئاسة، لتأثير قوي فيها من قبل اللوبيات السياسية والمالية، ولاسيما منها اللوبي الصهيوني، التي تتحكم في نتائجها، وتحول دون تمكن أي تيار سياسي غير الحزبين الجمهوري والديمقراطي من تحقيق أي نجاح سواء في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية.

بالتأكيد إن أية ديمقراطية تقوم على المصالح والمال وبسط النفوذ على الآخرين تحت ذرائع واهية، هي ديمقراطية منقوصة ومزيفة، هذا ما أكدته تجارب العديد من الدول والشعوب، كما أكده الكثير من المفكرين والباحثين الأمريكيين، وفي هذا السياق، يقول المراسل الدبلوماسي لصحيفة نيويورك تايمز المدعو نيل لويسن: (إن الانتخابات التشريعية وحتى الرئاسية المعتمدة في البلاد والتي تخضع لاعتبارات عديدة، لا يمكن لأشخاص وتيارات مهما كانت مكانتهم ومؤهلاتهم، أن يغيروا فيها)، وكما يقال (شهد شاهد من أهله).

ورغم ذلك تسعى الولايات المتحدة إلى تصدير ديمقراطيتها المشبوهة إلى العالم والتسويق لها باعتبارها نموذجاً يجب أن تأخذ به دول العالم أجمع، فهي كما هو معروف حاولت تطبيق هذا النموذج وبالقوة المسلحة في العراق وأفغانستان في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً، وتركتهما في حالة من الدمار والفوضى والتقاتل، هذا الفشل يقدم للعالم درساً بليغاً عن الديمقراطية الأمريكية التي يراد فرضها على الدول والشعوب، إلى جانب أن واشنطن كانت ومازالت تدعم الكثير من الأنظمة الديكتاتورية في أمريكا اللاتينية وأنحاء أخرى في العالم، في الوقت الذي تعادي فيه أنظمة ديمقراطية، لأنها تختلف معها سياسياً وأكبر مثال على ذلك معاداتها لفنزويلا.

ومما يلفت النظر في هذه الدعوة الأمريكية عدة أمور منها:

– إن الرئيس بايدن وجه الدعوة إلى العديد من القادة غير الديمقراطيين إلى قمته المشبوهة، واستبعد قادة آخرين ديمقراطيين، وهذه خطوة استنسابية تعبر عن المصالح الأمريكية فقط، وليس حباً بالديمقراطية أو حرصاً على نشرها وحمايتها كما تدعي واشنطن.

– إن بايدن لم يوجه الدعوة إلى كل من روسيا والصين اللتين لهما نهجهما الديمقراطي الخاص فقط، لأنهما تعتبران دولتين معاديتين ليس من حقهما المشاركة في مؤتمره الديمقراطي المزعوم حسب المفهوم السياسي الأمريكي.

بطبيعة الحال لم ينطل على روسيا مغزى هذا المؤتمر وأهدافه، فبادرت إلى اعتبار هذه القمة مجرد محاولة أمريكية جديدة (لتقسيم العالم بين جيد وسيئ)، وهذا الاعتبار صحيح تماماً، كذلك اتهم المتحدث باسم الرئيس الروسي ديمتري بيسكوف، اتهم الولايات المتحدة بالسعي (لفرض مفهومها للديمقراطية على دول عالم أخرى وخصخصة هذا المصطلح).

وأعلنت الصين معارضتها لهذه القمة، لأنها قمة استنسابية أولاً، ولأن تايوان مدعوة إليها، رغم أنه لا مكانة لها في القانون الدولي غير مكانتها كجزء لا يتجزأ من الصين ثانياً.

باختصار، لم ولن تكف الولايات المتحدة عن ممارسة ألاعيبها وخداع الدول والشعوب، كما يقال (لم ولن تغير الأفعى جلدها).

 

العدد 1105 - 01/5/2024