قرارات مجتزأة.. ونتائج مؤسفة

فؤاد اللحـــام:

من المعروف أنه عند التفكير باتخاذ قرار ما، سواء على المستوى الشخصي أو العام، لا بد من تحديد الهدف الأساسي من هذا القرار ومناقشة آثاره ومنعكساته السلبية والإيجابية القريبة والبعيدة، وأثرها على تنفيذ الهدف الأساسي منه، والإجراءات المطلوبة لتعظيم الفوائد المرجوة منهـ وتقليل أقصى ما يمكن من آثاره السلبية، إذا لم يكن بالإمكان تجاوزها أساساً، وكذلك مخاطر الالتفاف عليه وإفراغه من مضمونه.

على أرض الواقع_ إذا تركنا جانباً القرارات على المستوى الشخصي وركزنا على القرارات ذات الشأن العام – فإن الغالبية العظمى من القرارات الحكومية ماتزال تفتقر إلى هذه المنهجية، سواء في الإعداد أو في الدراسة والإقرار، فما إن يصدر أي قرار من هذه الجهة العامة أو تلك، حتى تبرز على الفور الآثار والمحاذير السلبية عليه وتضارب المصالح التي تنجم عن تطبيقه، ما يضطر هذه الجهة العامة، أو الجهة الأعلى منها، للبحث عن أساليب تدارك الأمر إن أمكن ذلك. والأمثلة على هذه الأمور عديدة وفي أكثر من مجال، نذكر منها على سبيل المثال في المجال الصناعي: القرارات المتعلقة بإعادة قطع التصدير، وتمويل المستوردات، واستيراد الأقمشة المسنرة ومادة الشورتينغ وأشباه الألبان والأجبان، وعمليات البيع والشراء، والسحب من المصارف، ونقل الأموال بين المحافظات، ورفع أسعار الوقود والكهرباء …وغيرها.

من المؤسف، كما يبدو واضحاً، أن أي مسؤول قام بتوقيع مثل هذه القرارات لم يتأكد من آلية دراسة مشروع القرار مع مرؤوسيه بالشكل المطلوب، ولم يحاسَب حساباً كافياً مَن قدّم له مشاريع تلك القرارات غير المدروسة التي أصدرها، وعوضاً عن ذلك يكون المخرج، على الأغلب، العودة إلى تعديل هذا القرار أو ذاك من جديد وغالباً بالذهنية نفسها والآلية ذاتها.

عندما ترتفع التكاليف على الصناعي والحرفي ويضطر إلى عكسها على سعر منتجاته، فهل يستطيع المستهلك المحلي شراءها؟ وهل يستطيع هذا المنتج منافسة المنتج الأجنبي في البلدان المستوردة؟ ولأن الجواب معروف سلفاً، فإن السؤال الأهم هو ما مصير هذه المنشآت في ظل ارتفاع تكاليف إنتاجها وضعف الطلب على منتجاتها، بعد أن قامت الجهات المعنية برفع الأسعار والتغني بخفض العجز وزيادة الموارد وإيصال الدعم إلى مستحقيه؟؟

الموضوع لا تقتصر آثاره السلبية على ما ذكر فقط، بل، وهو الأهم، أن العديد من هذه القرارات، يتم اتخاذها بشكل مجتزأ بعيد عن رؤية شاملة ومتكاملة، ما نزال نفتقر إليها حتى الآن، على مستوى الاقتصاد الوطني بشكل عام وعلى مستوى القطاع الصناعي بشكل خاص، على الرغم من ضرورتها وأهميتها، بحيث يُعتبَر أي قرار جزءاً مكملاً ومتكاملاً مع هذه الرؤية، وبشكل يساهم في تنفيذ الأهداف المرجوة من هذه الرؤية من حيث الكفاءة والجهد والكلفة والوقت.

 

العدد 1104 - 24/4/2024