الأضحية البشرية

د. أحمد ديركي:

لا معجزات في عالم العلم والعلوم. فالمعجزات تنوجد عند غياب الفكر العلمي المفسر للظواهر الطبيعية. فعندما يعجز تطور العلوم عن تفسير ظاهرة ما يلجأ العقل البشري إلى الماورئيات (الميتافيزيقيا) لتفسير هذه الظاهرة أو تلك، ومع كل تطور يلحق بالعوم الطبيعية أو الإنسانية تسقط ماورائية ما تتعلق بتفسير الظاهرة التي استطاعت العلوم أن تفسرها.

إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة التي يمكن أن نتصورها، فالماورئيات تملك قوة تأثير على العقل البشري الذي أنتجها، لتتحول الفكرة التي أنتجها العقل البشر إلى فكرة مهيمنة عليه تجعله ينحني لها معتقداً أنها أرقى ممن أنتجها. وبهذه عندما تفسر العلوم الطبيعية أو الإنسانية ظاهرة ما فليس من السهل لهذا التفسير أن يحل محل ما كانت قد فسرته الأفكار الماورائية. وهنا يحدث الصراع ما بين فكرتين أنتجهما العقل البشري، فكرة ما ورائية أنتجها قبل العلوم، أو في بدايات تشكل الفكر العلمي، وفكرة علمية أنتجها أيضاً العقل البشري ولكنها تعتمد على تطور العلوم المرتبطة بتطور المجتمعات البشرية.

فعل سبيل المثال طوفان الأنهر في الأزمنة القديمة كان يعتبر على أنه رسالة غضب من الآلهة على البشر فتقدم لهم الأضحية البشرية، ثم استبدلت بالأضحية الحيوانية، من أجل إرضاء الألهة. ومع تقدم العلوم أصبح سبب الطوفان معروفاً، واستطاع الإنسان من خلال نتاج فكره العلمي أن يتحكم بحركة مياه الأنهر، فبنى السدود واستصلح الأراضي وولد الطاقة الكهربائية من هذه السدود وغيرها من الأمور.

على الرغم من كل هذا التقدم الرهيب بالفكر العلمي ما زال الفكر الميتافيزيقي معشّشاً في عقول كثير من البشر، وكثيراً ما نسمع عند حدوث أي كارثة طبيعية مقولة (إنها غضب إلهي)! وكأننا ما نزال نعيش في تلك الأزمنة الغابرة التي كانت تقدم فيها الأضحية البشرية للألهة!

إن دل هذا على شيء فهو يدل على مدى أهمية العلم في المجتمعات التي ما زالت في طور التقدم وتدعي بأنها تفقه كل شيء. فالعلوم الطبيعية، والإنسانية، في بلادنا، ما زالت علوماً سطحية لا فائدة لها لأسباب متعددة وأولها أن أنظمتنا التعليمية لا تعمل على تكريس الفكر العلمي، بل تعمل على تكريس الفكر الميتافيزيقي. وما الأنظمة التعليمية إلا أداة من أدوات الأنظمة السياسية القائمة والمتحالفة مع ذوي الفكر الميتافيزيقي لتكريس هذا الفكر في المجتمع وإعطاء النظام السياسي القائم هالة القدسية للحفاظ على موقعه السلطوي.

فما يحدث من تغيرات مناخية تصيب بلادنا سببها (غضب إلهي) لأننا خرجنا عن طاعة المعبود! فلنأخذ، وفقاً لهذا المنطق، كتب الفيزياء والكيمياء والرياضيات وعلم الأحياء وكل ما تبقى من اختصاصات وعلوم طبيعية ولنضعها في سلة المهملات، لأن الحل لا يوجد بهذه بهذه العلوم، بل بالعودة إلى طاعة المعبود القادر على حل مشاكل البشر والطبيعة، فهو صاحب المعجزات في زمن العلوم وتقدمها. وإن شاء يمكن العودة إلى تقديم (الأضحية البشرية) فنحن ما زلنا نعيش في زمنها!

العدد 1104 - 24/4/2024