الإرادة وارتكاب الخطأ

ريم داود نخلة:

كثيراً ما نسمع عن كلمة الإرادة، لكن هل سبق لنا ان بحثنا في مفهوم هذه الكلمة وتعمقنا بدلالاتها الفلسفية؟

هل سبق ان بحثنا بمدلولات الإرادة على الصعيد النفسي والاجتماعي؟

أم أننا نردد هذه العبارة لأنها أمليت على مسامعنا دون الخوض في غمار مكنوناتها؟

لقد عرف ديكارت الإرادة من منظور ميتافيزيقي على أنها قوة لا نهائية يحظى بها الإنسان من خلالها على قدرة تمكنه من فعل أي شيء.

أما كانط فقد عرّفها من منطلق أخلاقي على أنها أداة العقل العملي.

في حين نجد تعريفاً مغايراً لمفهوم الإرادة من وجهة نظر علم النفس فهي محاولة هادفة وواحدة من الوظائف النفسية والبشرية التي تشمل العواطف والدوافع والإدراك.

وأمام هذه التعريفات والاستفاضات نقف مواجهين أسئلة فلسفية عميقة تدفعنا للتفكير والتمحيص، وفي حال كانت الإرادة قوة لا متناهية يكتسبها المرء وأداة العقل العملي، ومجموعة من الوظائف البشرية والنفسية، فلماذا يرتكب الانسان الخطأ؟

أو بصيغة أخرى لماذا يكون الخطأ موجوداً؟

نحيا ضمن عالم متغير متبدل لا نتوقف فيه عن ارتكاب الأخطاء صغيرة كانت أم كبيرة (من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر) لكن ما هو الخطأ وما هو الصواب؟

وهل للمجتمع دور في أخطائنا ام أنها تعود لأمور فردية شخصية؟

في كتاب بول ريكور (فلسفة الإرادة والإنسان الخطاء) نجد الخطأ يدخل في تكوين الطبيعة البشرية المحدودة والقدرة والإمكانات بغض النظر عن النتائج السلبية التي تترتب على هذا الخطأ، وعندما يحصل هذا الخطأ بقرار وإرادة بشرية ذاتية يصبح من أفعال الشر المقصودة وليست العفوية منها.

وفي هذا السياق نجد أفلاطون يبرئ الانسان من أخطائه المرتكبة ويرى أنها ليست حاصلة بوعي قصدي مسبق في ارتكابها وإنما هي حصيلة ظروف مجتمعية خارجية تفرض على الإنسان، لذا ليس على المجتمع محاسبته ولومه عليها. وهنا ينبغي على الفرد التخلص منها بالتطهير الأخلاقي من خلال زيادة المعرفة والتعلم.

أما علم النفس السلوكي فيجد أن الخطأ سلوك انساني يرتكبه الفرد إما لتحقيق منفعة ويكون الهدف منها شراً والضحية هو الآخر الذي ارتُكب الخطأ بحقه، أو للحصول على لذة ما وهنا يكون الشخص ذاته مرتكب الخطأ هو الضحية.

* لماذا يكون الخطأ مباحاً بين الناس:

من الصعب جداً تصور حياة بشرية خالية من الخطأ، فالإنسان في نهاية المطاف ذو خصائص بشرية مكونة من غرائز، وإن هذه الغرائز والرغبات تفرض عليه حالة من التناقض بين نزعتي الخير والشر الموجودتين في أعماق نفسه، وإن هذا التنافر والتضاد بين هاتين النزعتين يجعل من الإنسان حالة من التناقض المربك لأفعاله وإرادته في اتخاذ قرار الصح والخطأ.

وهنا لا يسعنا سوى الاستفسار والتساؤل أمام هذا الطرح الشائك والمعقد: هل أثبت الضمير الإنساني ذاته كرادع للإنسان أمام الخطأ؟ أم أن الدين هو من فعل فعله في هذا المضمار؟

من خلال نظرة خاطفة وقراءة وسريعة للتاريخ نجد أن الإنسان وقبل أن يعرف أخلاق الدين عرف أخلاق الضمير والإنسانية، ذلك أن إنسانية الإنسان نحو أقرانه وشركائه من نوعه سابقة على تعاليم الدين والضمير الأخلاقي الديني، وخير مثال على طرحنا هذا هو ما نجده في الأديان غير التوحيدية كالهندوسية والبوذية وغيرها من الأديان التي تعتمد في مركزيتها على الضمير الأخلاقي قبل الإيمان بالثواب والعقاب الديني.

وعليه نجد أن معظم الدول المتقدمة كالصين واليابان وجزء كبير من أوروبا تحيا أخلاق الضمير الإنساني والإنسانية وتعلم الأطفال منذ نعومة أظفارهم العيش والتعايش بضمير حي وتناغم ينعكس بإيجابياته على الفرد والمجتمع.

ويبقى الحكم الأخير وزبدة الكلام هو أن الإنسان ذو طبيعة بشرية يحكمها الخطأ في أفعالها، لكن على الإرادة ان تفعل فعلها في حال خرج الوضع عن المألوف. أما الفيصل والحكم في النهاية فيعود للتوفيق والموازنة بين أخلاق الدين والإنسانية في التعايش والتناغم والتطور والارتقاء.

 

العدد 1104 - 24/4/2024