ما بين التوطين وسرقة الطحين!

الدكتور سنان علي ديب:

في البدء عندما ناقش أحد مسؤولي الأفران موضوع ما سمّوه التوطين لم أتابع، ولكن في اليوم التالي وبعد نقاش أحد الشخصيات الوطنية الغيورة عبّر عن مفاجأته لهذا الخيار، وخاصة الاختيار الجغرافي، فكانت شرارة وصلت إلى عقلي عن المصطلح واختياره في معركة صراع توطين اللاجئين الفلسطينيين لقتل القضية، أو موضوع اللجوء الزائد في العقدين الأخيرين كاستراتيجية للغرب المتوحش، وكذلك المفارقة بين توصية أحد المؤتمرات الذي رعته مؤسسة وطنية بزيادة العمل لتكريس الثقافة الوطنية والانتماء والمواطنة.

المهم هل اختيار المصطلح كقنبلة لتلهينا عن باقي الأوجاع والآلام التي أغلبها ناجم عن نهج حاولوا فرضه بالقوة قبل الحرب، في وزارة كان الوزير الجديد وزيراً فيها وتسمى وزارة الدردرة، التي كان أهم مصطلحاتها الدعم وآليات إيصاله لمستحقيه، وفشلت كل الآليات من بطاقات وتعويض مالي وسط مفاجأة المؤسسات والأحزاب والغيارى، فلماذا الخوض في مسار نيوليبرالي كهذا في بلد كلّ مؤشراته التنموية إيجابية، لا يعاني من الديون، ولديه فائض ميزان تجاري واحتياطي نقدي؟ وكان من ممارسة تلك الحكومة الإفساد وقلب البنى الاجتماعية وتهشيمها، وبفضلها تحول الصراع الطبقي إلى اتجاهين: أفقي وعامودي.

وتنجح الخطط ولكن ليست الاقتصادية وإنما التهشيم الاقتصادي والاجتماعي، وندفع ثمنها خلال الحرب الإرهابية المتنوعة الأسلحة، وتمرّر ما عجزت عن تمريره حكومة قبل الحرب، ومن ضمن الضرورة التي تحولت عبئاً وباطلاً ما سمي وزارة حماية المستهلك، التي كان أهم أهدافها والغاية من إيجادها منع الاحتكار والتدخل الإيجابي لصالح المواطن لا التاجر. المهم فشلت فشلاً ذريعاً وساعدت بفوضى أسعار، سهلت المضاربة على الليرة وتفننت بخلق أسواق سوداء أو باحتكار القلة، وفي كل مرة تمرر قرارات بأسلوب الصدمة، وبحاجة إلى عشرات القرارات لعلاج انعكاساتها، ولم يكن آخرها توطين الخبز الذي صدم الأغلبية، ولكن بعدما أصبح أمراً واقعاً ثبت أن له إيجابيات وله سلبيات يمكن أن تعالج، ولكن الذي ثبت ايضاً أن حيتان الفساد في الوزارة يملكون كل أدوات التأزيم، وذلك باللعب بكمية الطحين وتحويل فوائض لعلف، واللعب ببرمجة البطاقة الإلكترونية وخلق أزمات بدلاً من حل الأزمة. وقبل البوح بما نراه للتوطين لابد من ذكر الكثير من المشاكل، التي وعد الوزير الجديد بحلها في أسبوع، ولكن عبر رفع ما سمي الدعم الذي اعتبر مرضاً مسرطناً، وبالأصل كان علاجاً وتوزيعاً عادلاً للثروة والفوائض. ولن نتكلم عما أوحيتم بدعم الكهرباء والمياه، ولا أعرف لماذا كلما لعب بسعر الصرف تتحول المادة من ما يدفع المواطن أكثر من قيمتها لمدعومة. المهم اختلاق الأزمات لجعل الشعب يرضى بما يمرر وكل المنظرين والمبرمجين ممن كانوا سيفاً في وجه من سبقك بوثائق لا توجد إلا في أماكن ضيقة يجب رفع الدعم، وإن كنت كمواطن يحق لك إعطاء الرأي، ولكن هذا بحاجة إلى فريق كامل أو الفريق الاقتصادي لإيجاد آليات توزيع ما تسمّونه الدعم على المواطنين، أو ما تسمّونه من يستحقه، ولا نجد سوى ٥ بالمئة من الشريحة المخملية، والباقي بحاجة إلى دعم ضد الفقر لتوطين المواطنين الذين فقدوا كل شيء إلا بقايا الكرامة والانتماء، الذي هو خيار من أول الحرب إلى اليوم.

توطين الخبز وفر على الحكومة، ولكن ما وفّر تحوّل علفاً لرداءة الخبز المغشوش، وكذلك خلق بلابل وخسائر لبعض الموزعين. وبالتالي قبل إلغائه يمكن تهذيبه وإصلاحه عبر عدالة الكميات وعدم إغلاق البطاقات، وعبر برنامج زمني يومي، أو فتح أماكن الشراء، ولكن كان بعض من رحب بك يملك وثائق دقيقة لتفاصيل سرقة الطحين والقمح والأفران غير المرخصة وغيرها. وكذلك لابد من التذكير بالقانون ٨ لضبط الأسعار الذي نيّمه من سبقك في الأدراج من دون أي خوف من مسؤولية.

توطين المواطن في وطنه عبر حل مشاكل أغلبها بسبب الفساد وعرقلة الأهداف بقوانين، وأكبر مثال توقيت بيع المواد التي تسمى مدعومة، ومنعه والسماح به بإيعازات من محتكريها، أو هناك غاية لرفع ما تسمّونه: الدعم.

لهفتكم بإصدار قرار إلغاء التوطين تُحسَب لكم، ولكن حسب معلوماتنا البسيطة اختصاص الفريق الاقتصادي وموافقة الحكومة دليل لهفتكم لما تبنيتموه سابقاً لحل كل المشاكل للخبز والطحين والكهرباء بأيام، وكثر قرؤوا تتابع التصريحات بنوايا خصخصة مبطنة، ولكن المحاسبة على النوايا والأقوال خطأ كبير، وبانتظار الأفعال والتعاطي بذكاء مع البطاقة التي كانت حاجة لتحديد الطلب رغم أنها لم تكن عادلة كما قلتم بإيصال الدعم الذي اقتصر على السكر والرز والغاز كل ٣ شهور لمستحقيها، بحاجة إلى بيانات جديدة وبحاجة إلى مراجعة، حتى من يستحقها، فكثيرون يحصلون عليها بلا أحقية.

ويبقى تفعيل دور الإعلام الوطني لتسليط الضوء على الإيجابيات والسلبيات ضرورة حتى لا تأخذ مكانه وسائل التواصل والإعلام المضلّل الموجّه.

نتمنى التوفيق للوطن والمواطن ولكم.

والأفعال ستكلمنا ونتكلم عبرها.

الوطن أغلى منا جميعاً ورضا المواطن بعقلانية قوة للوطن ولمؤسساته التي يجب ان تكون لها القيادة والريادة.

 

العدد 1104 - 24/4/2024