رغم الهزيمة الأمريكية.. أفغانستان لن تتعافى!

د. صياح فرحان عزام:

بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تدرك، ولكن بعد فوات الأوان، أن الحرب التي شنها رئيسها الأسبق جورج بوش الابن على أفغانستان قبل عشرين عاماً تحت شعار كاذب وملتبس (عملية الحرية الدائمة) والتي كلفت أكثر من تريليون دولار، وأدت إلى مقتل أكثر من 2500 جندي أمريكي إلى جانب المئات من جنود الحلفاء، كانت عبثية، أو بالأحرى من أجل لا شيء، وفقاً لآراء العديد من الخبراء والمحللين والقادة العسكريين قد أخطأت في حساباتها.. هي (أي واشنطن) ادعت آنذاك أنها ستثأر من تنظيم القاعدة، وستقيم نظاماً ديمقراطياً جديداً في أفغانستان قادراً على الصمود، ويقدم أنموذجاً يوفر للشعب الأفغاني الأمن والسلام والوحدة الوطنية والتنمية التي يحتاج إليها، وبما يجعله يتخلى عن (حركة طالبان) ويتوقف عن توفير الحاضنة القبلية والشعبية لها التي تمكنها من البقاء.

ولكن واشنطن عمدت لاحقاً وبعد أن دمرت أفغانستان وحولتها إلى مسرح للفوضى والتقاتل والتجارة بالمخدرات، عمدت إلى أسلوب جديد من المراوغة والاحتيال مدعية أن تحقيق المصالحة مع حواضن الإرهاب يمكن أن يساهم في تهدئة الأوضاع ويوقف إنتاج وتفريخ الإرهابيين، وأن تشهد أفغانستان سلاماً دائماً يسودها وينعكس على الدول المجاورة لها.. فلجأت إلى إيهام العالم بأن الإرهابيين الذين تقاتلهم منذ عقدين من الزمن يمكن التفاوض معهم كمجموعات سياسية تستحق الوصول إلى قمة السلطة في أفغانستان أو المشاركة فيها ضمن حكومة تسير في ركاب السياسة الأمريكية.

ولكن ما حصل على أرض الواقع كان شيئاً مختلفاً، إذ شهدت أفغانستان مؤخراً المزيد من الفوضى والاقتتال، ففي الوقت الذي بدأت فيه القوات الأمريكية والأطلسية الانسحاب من أفغانستان، تزايد نشاط حركة طالبان من خلال تصعيد هجماتها العسكرية في مختلف الولايات والمناطق الأفغانية والسيطرة على عواصمها ومدنها الرئيسية، وبحيث أصبحت العاصمة الأفغانية كابول هدفاً قريب المنال لـ(طالبان) وهي تتعرض لقصف الصواريخ والتفجيرات.

يبدو أن حركة طالبان لم تعد مهتمة بالتفاوض مع حكومة الرئيس أشرف علي، ولا بالالتزام بالاتفاق الذي وقعته مع الولايات المتحدة في شهر شباط عام 2020 بعد مفاوضات شاقة قادتها في قطر، تحت إشراف وقيادة المبعوث الأمريكي زلماي خليل زادة، انتهت بالاتفاق على موعد لانسحاب القوات الأمريكية والحليفة، مقابل أن تتفاوض (طالبان) مع حكومة كابول للوصول إلى اتفاق سلام يوقف العنف.

ويعتبر العديد من الباحثين والمحللين السياسيين أن بدء الانسحاب الأمريكي لم يكن طوعياً أو ناجماً عن نوايا حسنة، بل هو أقرب إلى الهزيمة الواضحة.

على ضوء ما تقدم، يتضح أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تدخل بلداً من البدان أو دولة من الدول تحت ذريعة محاربة الإرهاب أو المساعدة على تحقيق الاستقرار فيه، إلا وتركته مسرحاً للدمار والفوضى والاقتتال والفقر والتخلف والانقسامات بعد أن عاثت فيها قتلاً وتدميراً للبنى التحتية، ونشراً للخلافات بين أبناء الشعب الواحد، والأمثلة على ذلك كثيرة بدءاً من فيتنام إلى العراق إلى أفغانستان، ومن ثم تدخلها في سورية إلى جانب الإرهابيين ونهب النفط والقمح والغاز والآثار والممتلكات في الشمال السوري، مدعية أن تدخلها يهدف إلى مساعدة الشعب السوري على محاربة الإرهاب والحصول على الحرية والعدالة.

ولكن في نهاية المطاف، انتهت كل هذه الحروب والتدخلات الأمريكية في الشؤون الداخلية للعديد من الدول بالهزيمة، وبالتالي لا يمكن لعاقل أن يصدّق بأن الولايات المتحدة تحارب الإرهاب، لأنها هي التي أوجدته بالأساس، واستثمرت فيه حتى الآن لتحقيق أطماعها ومصالحها الخاصة.. ولهذا فإن مستقبل أفغانستان لا يوحي بالاطمئنان.

 

العدد 1102 - 03/4/2024