الاشتراكية هي المستقبل(*)

 نشأ النظام الاشتراكي في العالم نتيجة صراع طبقي حاد في أحشاء المجتمع الرأسمالي، ونتيجة صراعات سياسية وحروب بين الدول الرأسمالية نفسها في خضم التنافس على اكتساب أسواق البلدان النامية.

إن نجاح ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا كان أيضاً في سياق نشوء تشكيلة اقتصادية واجتماعية جديدة، ترث التشكيلة الرأسمالية التي سبقتها على قاعدة (نفي النفي).

إن قيام الاشتراكية في روسيا القيصرية أثّر على تطور العالم بكامله، وبمنجزاتها العظيمة خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، أظهرت للبشرية أفضلية الاشتراكية، نظاماً أرقى من الرأسمالية يأخذ منها ما هو مساعد على التطور، وينبذ منها الطابع اللاإنساني في توزيع الدخل الوطني، وعدم تقدير قيمة العمل في عملية الإنتاج وخلق الثروة. إن الصراع على استلاب القيمة الزائدة يمثل جوهر الصراع الطبقي في البلدان الرأسمالية، وهذه القيمة الزائدة تتولد من مصدرين رئيسيين، الأول: استثمار العمال العاملين في وسائل الإنتاج المملوكة من قبل الرأسمالية، والثاني: عمليات السرقة والنهب لثروات بلدان ما يسمى العالم الثالث، على امتداد أكثر من ثلاثة قرون، التي مازالت مستمرة حتى اليوم، بصيغ مختلفة ومتعددة. وإذا كان الصراع الطبقي في بلدان الرأسمالية المركزية يتجلى في التناقض التناحري الكائن بين علاقات الإنتاج، وقوى الإنتاج، فإن جوهر الصراع الطبقي في البلدان النامية يتجسد في الصراع على استلاب ثروة هذه البلدان.

إن هذه الثروة هي المصدر الرئيسي لتطور قوى الإنتاج بالشكل العاصف الذي رأيناه إبان نشوء الرأسمالية وتطورها وتوسعها، ولكن ذلك لا يعني استبعاد الصراع الطبقي المحلي، بحسبان أن البلدان الإمبريالية الناهبة لثروات البلدان الفقيرة تساعد على نشوء طبقات محلية أجيرة لها، وبالترابط بين هذين العنصرين يتبين لنا لماذا يصبح الصراع على التحكم بمقاليد الأمور في البلدان النامية هو مصدر التوتر في العالم بكامله، لأنه صراع طبقي تناحري بين البلدان النامية- التي تريد أن تستغلّ مواردها الطبيعية وتضع حداً للنهب الاستعماري لها، وأن توظف هذه العائدات في صالح التنمية والتقدم الاجتماعي- والطبقات المستعمرة المالكة لأدوات الإنتاج، والتي تمكنت من إحراز تقدم تقني بفضل نهب المواد الأولية واحتكار أسواق تصريف البضائع المنتجة.

ومن هنا أيضاً نفهم الأساس العميق للترابط بين حركات التحرر الوطني في العالم الثالث، ونضال الطبقة العاملة وسائر المستغَلين في البلدان الرأسمالية، كما نفهم مسألة التحالفات، والمسألةَ الوطنية ومسألةَ الوصول إلى السلطة والأهداف القريبة أو الاستراتيجية البعيدة، وتعدّدَ أساليب النضال وأشكاله، وتنوعها.

 نشأ النظام الاشتراكي في العالم نتيجة صراع طبقي حاد في أحشاء المجتمع الرأسمالي، ونتيجة صراعات سياسية وحروب بين الدول الرأسمالية نفسها في خضم التنافس على اكتساب أسواق البلدان النامية.

إن نجاح ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا كان أيضاً في سياق نشوء تشكيلة اقتصادية واجتماعية جديدة، ترث التشكيلة الرأسمالية التي سبقتها على قاعدة (نفي النفي).

إن قيام الاشتراكية في روسيا القيصرية أثّر على تطور العالم بكامله، وبمنجزاتها العظيمة خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، أظهرت للبشرية أفضلية الاشتراكية، نظاماً أرقى من الرأسمالية يأخذ منها ما هو مساعد على التطور، وينبذ منها الطابع اللاإنساني في توزيع الدخل الوطني، وعدم تقدير قيمة العمل في عملية الإنتاج وخلق الثروة. إن الصراع على استلاب القيمة الزائدة يمثل جوهر الصراع الطبقي في البلدان الرأسمالية، وهذه القيمة الزائدة تتولد من مصدرين رئيسيين، الأول: استثمار العمال العاملين في وسائل الإنتاج المملوكة من قبل الرأسمالية، والثاني: عمليات السرقة والنهب لثروات بلدان ما يسمى العالم الثالث، على امتداد أكثر من ثلاثة قرون، التي مازالت مستمرة حتى اليوم، بصيغ مختلفة ومتعددة. وإذا كان الصراع الطبقي في بلدان الرأسمالية المركزية يتجلى في التناقض التناحري الكائن بين علاقات الإنتاج، وقوى الإنتاج، فإن جوهر الصراع الطبقي في البلدان النامية يتجسد في الصراع على استلاب ثروة هذه البلدان.

إن هذه الثروة هي المصدر الرئيسي لتطور قوى الإنتاج بالشكل العاصف الذي رأيناه إبان نشوء الرأسمالية وتطورها وتوسعها، ولكن ذلك لا يعني استبعاد الصراع الطبقي المحلي، بحسبان أن البلدان الإمبريالية الناهبة لثروات البلدان الفقيرة تساعد على نشوء طبقات محلية أجيرة لها، وبالترابط بين هذين العنصرين يتبين لنا لماذا يصبح الصراع على التحكم بمقاليد الأمور في البلدان النامية هو مصدر التوتر في العالم بكامله، لأنه صراع طبقي تناحري بين البلدان النامية- التي تريد أن تستغلّ مواردها الطبيعية وتضع حداً للنهب الاستعماري لها، وأن توظف هذه العائدات في صالح التنمية والتقدم الاجتماعي- والطبقات المستعمرة المالكة لأدوات الإنتاج، والتي تمكنت من إحراز تقدم تقني بفضل نهب المواد الأولية واحتكار أسواق تصريف البضائع المنتجة.

ومن هنا أيضاً نفهم الأساس العميق للترابط بين حركات التحرر الوطني في العالم الثالث، ونضال الطبقة العاملة وسائر المستغَلين في البلدان الرأسمالية، كما نفهم مسألة التحالفات، والمسألةَ الوطنية ومسألةَ الوصول إلى السلطة والأهداف القريبة أو الاستراتيجية البعيدة، وتعدّدَ أساليب النضال وأشكاله، وتنوعها.

 تعدّد طرق الانتقال إلى الاشتراكية

لقد انتصرت ثورة أكتوبر في روسيا، ثم انتصرت ثورة الصين ونشأت الاشتراكية بصورة تختلف من بلد إلى آخر.

ففي روسيا والصين انتصر نموذج الانتقال إلى الاشتراكية عن طريق الثورة الشعبية المسلحة، نجح هذا النموذج في الصين، ولكنه في روسيا دام 70 عاماً فقط ثم انهار. وهناك محاولات في بعض بلدان أمريكا اللاتينية وآسيا للعبور إلى الاشتراكية وتجاوز الرأسمالية لم تنضج بعد. وفي كوبا انتصرت الاشتراكية بالثورة المسلحة، أما في البلدان الرأسمالية المتطورة وحيث كان للحزب الشيوعي وأنصاره قوى كبيرة، ولكن قسماً كبيراً من هذه الأحزاب انقسم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وشكل أحزاباً وتيارات يمينية ويسارية بعضها مماثلة للحلف الأطلسي ( الناتو).

وبالنسبة لنا فإننا من حيث المبدأ نحترم خيارات الأحزاب نفسها، ولا يجوز أن نفرض على حزب ما إيديولوجيته، ولكننا ندافع عن الماركسية اللينينية، لأننا نسترشد بمنهجها المادي والتاريخي الذي أثبت صحته وعدم وجود إيديولوجية أخرى أكثر إحاطة منها بمشاكل الإنسان والشعوب المضطهدة، وقد أفلس الذين حاولوا استغلال انهيار التجربة الاشتراكية السوفيتية للادعاء بأن الاشتراكية ذاتها هي التي أفلست. وأعلن حزبنا مراراً وتكراراً أن الذي انهار هو تجربة اشتراكية معينة هي التجربة السوفييتية وليس الاشتراكية بحد ذاتها، إن مزيداً من الأنظمة الرسمية والقوى الشعبية والأفراد ينتقلون إلى صف الهدف الاشتراكي المستقبلي مع أنهم لا يتبنون الماركسية وأجزاءها الثلاثة: الفلسفة والاقتصاد والاشتراكية بشكل كامل، وهنا يقع على عاتق الشيوعيين مهمة صعبة هي كيف يفهمون الاشتراكية أفكاراً ومبادئ عامة، وكيف يفهمونها في ظروف بلدانهم هم بالذات، وكيف يحولون الفلسفة من أداة للتفسير إلى أداة للتغيير. إن مهمةً من هذا النوع شاقة جداً، إذ إنها تصطدم فوراً بنوعين من المواقف حيالها، الأول من مواقع الجمود العقائدي الذي يتعامل مع الفكر الماركسي كنصوص دينية لا تقبل التفسير الواسع أو الاجتهاد أو المرونة، أي أنه يتعامل مع هذا الفكر وكأنه دين سماوي لا يتغير طوال الدهور.

كتب ماركس عام 1844 (يجب علينا أن نتجنب تقديم أنفسنا للعالم بصورة دوغماتية، علينا أن نطور للعالم مبادئ جديدة انطلاقاً من مبادئه القديمة) (ماركس – إنجلز – المؤلفات الكاملة جزء 3 صفحة 20 بالروسية).

وفي مكان آخر كتب يقول إن القوانين العامة للتطور تتغير بتبدل الظروف التاريخية. كما أن الحقيقية من وجهة نظر ماركس تكتسب مضموناً جديداً مع تبدل هذه الظروف، والموقف الثاني، هو الموقف الذي لا يؤمن بأيّ من ثوابت الاشتراكية، ويخلط بين المكتسبات الاجتماعية التي يحرزها العمال في بلدانهم الرأسمالية نتيجة نضالاتهم، والمكاسب التي تتحقق في ظل النظام الاشتراكي بوصفه نظاماً اجتماعياً متكاملاً جوهره وأساسه إلغاء استغلال الإنسان للإنسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية. إن هذا النوع من المفكرين قد أشهر إفلاسه وفقد البوصلة وأصبح في صف الرأسماليين عملياً، ومن أبرز ممثليهم بعض أجنحة الأحزاب الشيوعية في أوربا الغربية.

 الهدف الاشتراكي في البلدان النامية

بعد حصول الدول النامية على استقلالها السياسي، اتجه الكثير من قادتها نحو حل معضلة التقدم الاجتماعي، ووجدوا أن الخيار الاشتراكي هو الأفضل، لكن تجربتهم انهارت إلى حد كبير ووقعت الأنظمة السياسية فيها بيد الفئات البرجوازية الجديدة التي خلفتها الإمبريالية والاستعمار وراءها ثانيةً، والتي بقيت جذورها موجودة حتى في ظل الأنظمة التقدمية، وعادت عملية النهب الإمبريالي للثروات إلى سابق عهدها.

هناك الكثير مما يمكن أن يقال حول هذه التجربة، ولكنه يجدر بنا أن نأخذ بعين الاعتبار الأفكار التالية:

1. إن الصراع الطبقي في البلدان النامية، حيث القوى المنتجة هي في أدنى مستوياتها والتناقض القائم هو ليس فقط بين قوى الإنتاج هذه وعلاقات الإنتاج كلياً، كما هو الحال في البلدان الرأسمالية المتطورة، بل أيضاً بين الحاجة الماسة إلى تطور القوى المنتجة وتخلف قوى الإنتاج هذه، إذ إنه من المستحيل بناء الاشتراكية أو حتى وضع مقدماتها في ظل تخلف قوى الإنتاج بهذا الشكل العميق.

2. وعلى هذا الأساس تصبح المهمة الآنية أمام شعوب هذه البلدان هي تطوير القوى المنتجة أولاً وقبل أي إنجاز آخر، وتأمين مدخرات وطنية واسعة لاستخدامها في عملية تطوير القوى المنتجة.

3. المهمة التي يجب أن تتزامن معها هي إيجاد الشكل السياسي الذي ستتحقق هذه المهمة من خلاله، وهنا يبرز دور الجبهات العريضة التي تضم جميع القوى الوطنية الممتدة من البرجوازية الصغيرة وحتى الوسطى وخاصة خالقي الثروة المادية من كل الطبقات، باستثناء البرجوازية التابعة أو الكومبرادورية التي لا يهمها المساهمة في عملية الإنتاج المادي.

4. إن الصراع الطبقي في هذه البلدان هو الصراع من أجل خلق الرأسمال والثروة لكي يمكن توزيعها بشكل عادل، بينما الصراع الطبقي في البلدان الرأسمالية المتطورة هو الصراع من أجل توزيع فائض القيمة والإقلال من الحصة الكبيرة التي يحصل عليها الرأسمال في توزيع الدخل الوطني، ولما كان مصدر الثروة في الرأسمالية يأتي من النهب الاستعماري لثروات البلدان النامية، إذاً يكون الصراع الطبقي الأساسي هو بين شعوب هذه البلدان، والإمبريالية.

5. إن الاستفادة من الرأسمال الوطني المحلي هو أحد مصادر التراكم بقصد التنمية، وكذلك القطاع العام الذي يشكل مصدراً هاماً للتراكم، وهو يشكل في بلادنا ثلثي مصادر تمويل الموازنة العامة للدولة. وعلى هذا الأساس نستند في دعمنا لقطاع الدولة أو القطاع العام الذي نعتبر دوره بارزاً وأساسياً وتقدمياً، وهو يشكل أحد مقومات التوجه نحو الاشتراكية التي لا يمكن أن تتحقق بعصاً سحرية، بل بعملية تراكمية وتدريجية.

6. لكن في الوقت ذاته يحرص حزبنا على عدم إعطاء الفرص للقطاع الخاص لكي يستغل العمال أو أن يكون نافذة لتسرب رأسمال الأجنبي إلى البلاد، ولا أن يسيطر على ملكية الدولة.. ولا على إدارتها لقطاعها العام.

التلازم بين الأهداف الوطنية والاجتماعية

من خصوصيات الوضع السياسي في بلادنا وباقي الدول هو وجود تناقضات أخرى إضافة إلى التناقض الاجتماعي وهي المسألة الوطنية، إذ يوجد احتلال إسرائيلي لأجزاء هامة من البلدان العربية وأهمها فلسطين والجولان، وتهديدات إسرائيلية يومية لاستقلال بلادنا وحريتها.

إن النضال ضد الصهيونية العدوانية التوسعية الإسرائيلية وضد داعميها في الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، هو ما نسميه حركة التحرر الوطني العربية التي يمتزج نضالها الوطني هذا بالهدف الاجتماعي، ولذلك تخصص كل عام 50% من الميزانية السورية لتمويل عملية الدفاع عن وطننا.

إن هذا الموضوع يؤثر تأثيراً جوهرياً على مسارات التنمية وعلى قدرات البلاد الاقتصادية والاجتماعية والبشرية. إن نضال العرب ضد التوسعية والعدوانية الإسرائيلية هو نضال ضد الإمبريالية العالمية التي أنشأت إسرائيل وجعلتها كلب حراسة لمصالحها.

واليوم أضيفت إلى مهام حزبنا وباقي الأحزاب الشيوعية والاشتراكية في المنطقة العربية مهمة جديدة، وهي النضال ضد الإرهاب الديني المتشدد الذي احتل أجزاء من سورية والعراق، وأصبح يشكل الآن خطراً على أوربا، والنضال ضده يفرض علينا سياسات قد لا يكون مناسباً اتباعها في ظروف أخرى.

ولكننا نضع الآن أمامنا هدف تكوين تحالفات واسعة داخلياً وإقليمياً ودولياً لمناهضة الإرهاب.

الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية

تعد الديمقراطية السياسية، أو ما يمكن الاصطلاح عليه بالحريات السياسية العامة، إحدى منجزات البشرية التي ولدت مع الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، وقد أصبحت إحدى الظواهر الملازمة للنظام الرأسمالي، الذي يدعي الحرص عليها ويتهم الشيوعيين بمعاداتها.

إن من ثار من أجل الحرية والعدالة والمساواة هو الشعب الفرنسي في ثورته التاريخية عام 1789 وليس الملوك والأباطرة… لذلك يحرص الشيوعيون على الاستفادة من منجزاتها رغم أنها تستعمل اليوم بشكل شعارات زائفة. إن من يحتل شعوباً أخرى، لا يمكن أن يكون ديمقراطياً، ومن يستغل العمال في بلاده لا يمكن أن يكون ديمقراطياً حقيقياً. إن الديمقراطية كما نفهمها هي أداة بيد الطبقة العاملة وبيد الشعوب المضطهدة للكفاح ضد التسلط الإمبريالي على العالم، وليس العكس، ويجب على الأحزاب الشيوعية داخل السلطة أو خارجها إتاحة المجال أمام القوى الشعبية للنهوض وللدفاع عن الوطن ولنشر الفكر التقدمي وتحقيق العدالة الاجتماعية وهذا لا يتطلب أساليب أو تراكيب بيروقراطية إدارية، بل عملاً تقوم به الجماهير بقواها المنظمة. إننا لا نرى في الحريات السياسية للجماهير خطراً على النضال الوطني والطبقي، بل بالعكس، فقد تطور وعي الجماهير في الكثير من البلدان النامية التي أصبحت تفرق مابين الديمقراطية الحقيقية التي تخدم الجماهير، والديمقراطية التي تخدم البورجوازيات فقط.

إن الديمقراطية السياسية ليست نقيضاً للتوجه الاشتراكي، ومن الخطأ أن ننظر إليها كأنها تعيق عملية التحول إلى الاشتراكية، بل بالعكس فهي ضرورة لتعميق عملية النقد والنقد الذاتي في الحزب والدولة والمجتمع، ولكشف الفساد الذي يترافق عادةً مع توسع دور الدولة في المجتمع، ويخفف من سيطرة العناصر البيروقراطية التي تتسلل إلى قلب جهاز الدولة.

ولكن من الخطأ النظر إلى النموذج الديمقراطي البرلماني الغربي بوصفه النموذج الوحيد للديمقراطية، فهناك مبادئ عامة للديمقراطية السياسية، ولكن هناك خصائص محلية، وطنية، ثقافية، وسياسية تجعل من الضروري أخذها بعين الاعتبار لدى بناء النموذج الديمقراطي الذي يريده الشعب ويراه صالحاً له.

رأسمالية الدولة.. أم التوجه الاشتراكي؟

إن مستوى تطور القوى المنتجة، وحدود التطور السياسي والثقافي والعلاقات الدولية لأي بلد، ودرجة نضج القوى الثورية فيه تحدد طريقة الانتقال إلى الاشتراكية، ومضمون العلاقات ذات المضمون الاشتراكي ومستواها، في هذا البلد أو ذاك.

ويتصف الاقتصاد الوطني في البلدان النامية بالهشاشة والضعف وقلة الموارد بسبب النهب الإمبريالي، والهدر الشديد والنهب والجهل بسبب مخلفات عهود الاستعمار الكولونيالي. كما يتصف التركيب الثقافي لمجتمعات تلك البلدان بالتشتت والتجزؤ وسيادة علاقات المجتمعات الإقطاعية بل وما قبلها، وتكثر الغيبيات والشعوذة ويتوزع الناس على قبائل يرأسها زعماء عشائريون.

إن الاستعمار الغربي الذي احتل بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ونهب ثرواتها الباطنية عبر عدة قرون من الزمن قد ساعد على تكريس هذا الواقع الاقتصادي والاجتماعي والإثني المتخلف، لكي يسهّل عملية نقل هذه الثروات إلى (بلدان المركز).

إن كل الحروب التي جرت ما قبل القرن العشرين قد جرت في إطار الصراع والمنافسة بين الإمبراطوريات الحاكمة في الغرب لاقتسام هذه الثروات.

وفي ظل هذا التخلف الفظيع، كان لابد للقوى والقيادات الثورية من أن تتجه نحو تحطيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية السائدة، وتقويض النظام العشائري والقبلي، والانتقال ببلدانهم إلى العصر الحديث. وبفضل ظروف سياسية مناسبة وخاصة توطيد النظامين الاشتراكيين في روسيا والصين تحققت بعض المنجزات على هذا الطريق، ولكن سرعان ما انهارت معظم الأنظمة الجديدة هذه أمام الضغط الإمبريالي عليها وتفسخ الأداة الحاكمة، والفشل الاقتصادي والبيروقراطية والفساد وزرع عملاء للغرب في جهاز الحكم، وبدء التراجع الاقتصادي في روسيا، وعدم تكوّن قوى اشتراكية أو وطنية بارزة.

إن خلاص هذه الأنظمة من التبعية للغرب وتطوير قواها المنتجة يجب أن لا يقود حكامها إلى الهروب إلى الأمام برفع شعارات (ثورية) لتسريع عملية التطور، ولا يكون بالاعتماد الرئيسي على الغرب وقواه التي تغلغلت في قلب الأنظمة.

إن تطور هذه البلدان يمر عبر مرحلة نشوء الدولة المركزية أولاً، التي تصهر البنى العشائرية والقبلية والإقطاعية في بوتقة الدولة، ضمن إطار قانوني ودستوري، ووضع قواعد وأسس لحقوق الأفراد وواجباتهم تجاه الدولة، والعكس بالعكس.

إن تطوير الاقتصاد الوطني لا يتلاءم مع الاقتصاد المبعثر والوحدات الاقتصادية الصغيرة، ولابد للدولة أن تكون مركز تجميع للمدخرات الوطنية من مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية، وقيادة عملية التنمية وفق خطة مركزية تضمن تطور قوى الإنتاج وتوزيعاً عادلاً للثروة.

إن البعض يسمي هذه التحولات بأنها رأسمالية الدولة، ونحن لا نعترض على ذلك، لأن رأسمالية الدولة هي جزء من عملنا نحن الشيوعيين، ويقول البعض أيضاً إنها عتبة الاشتراكية، ورغم أن في هذه التسمية الكثير من التفاؤل، ولكن رأسمالية الدولة أو القطاع العام القائد، إذا ما دعم بقيادة ثورية حقاً من قبل الجماهير والقوى الوطنية، فإنها تكون قد قطعت بالبلاد أشواطاً بعيدة إلى الأمام. وهو ما ينطبق على تنبؤات لينين وماركس في أن الاشتراكية لن تتحقق دفعة واحدة، بل بأفعال تراكمية تدريجية تحمل في كل خطوة من خطواتها تغييراً نوعياً باتجاه تقدم قوى الإنتاج وتطبيق العدالة الاجتماعية.

(*) محاضرة ألقيت في ندوة حول الإشتراكية، أقيمت في جمهورية الصين الشعبية بحضور عدد من الأكاديميين والسياسيين والمختصين.

العدد 1105 - 01/5/2024